سؤال تبقى إجابته غائبة في ضمير أولئك الذين دخلوا أرقامًا فلكية من باب وظيفة متواضعة في قطاعات حكومية ،خاصة تلك التي لها علاقة مباشرة بخدمات المواطنين، ليصبحوا بعد مغادرة الوظيفة في عداد رؤوس الأموال، دون أن يحاسبهم أحد، ودون التحقق ممَّا إذا كان ما حصلوا عليه كان من رواتبهم أم من خلال استغلال المال العام والإخلال بثقة الدولة وأمانة الوظيفة. ورغم أن مطالبة قد صدرت قبل عدة سنوات تدعو كل من حصل على أموال بطرق غير مشروعة إعادتها إلى صندوق حكومي تم تخصيصه لهذا الغرض؛ إلا أن هذه المطالبة كانت فقط محاولة لإحياء الضمير لدى كل من أقدم على مصادرة (الأمانة) أمام نشوة (الانتفاع)، ومع ذلك تحركت بعض الضمائر غير المعروفة، وأعادت مبالغ كبيرة إلى الصندوق الخاص بإبراء الذمَّة!! وسواء كان ما أعادوه يمثل كل (ما سرقوه) أو جزءًا منه، فإنه يكفي اعترافًا بالحالة والممارسة ولو بعد حين. لكن السؤال: كم عدد الذين قاموا بمحاولة إبراء الذمة؟ وكم بقي منهم في عداد المجهولين؟ سؤال هو الآخر تبقى إجابته في ضمير كل من مارس عملاً من هذا النوع، ويبقى الحساب عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون. وإذا كانت الطفرة التي شهدتها المملكة خلال الخطط الخمسية التنموية في مرحلتيها الأولى والثانية قد أحدثت الكثير من الفجوات التي استغلها البعض في الثراء نتيجة طموح الدولة في الإنفاق السخي على تسريع عجلة التنمية فإن التحولات التي حدثت في السنوات الأخيرة نتيجة الإصلاحات الإدارية وتطوير مستوى الوعي الوطني والرقابة المسؤولة هي عوامل تؤكد الوصول إلى النزاهة في الممارسة الوظيفية، واختفاء كل ما يمكن أن يؤدي إلى استغلال المكان للمصالح الشخصية. على أننا نأمل أن يكون هناك تشريع في الرقابة والتحقيق يتيح لها طرح سؤال: مِن أين لك هذا؟ ومن خلال مشروعية السؤال فإنه يمكن أن يشكل جرس إنذار يؤكد أن المال العام، أو الرشوة، أو غيرها من الممارسات التي تخرج عن أمانة الوظيفة هي خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها.