مغموس في الفلكلور الشعبي حتى أخمص قديمه ، صوته مزيج من رائحة طين قرية أم العيال بوادي الفرع ومن شذا سعف النخيل الفارع في المدينةالمنورة وبريق معدن مهد الذهب وسمرة رمال الساحل حين يشدو بلحن الخبيتي تنطلق عصافير الدهشة من حنجرته ليس فقط لحسن وجمال صوته ولكن لإجادته هذا اللحن التراثي الجميل .. التقيت بالفنان " عابد البلادي " أثناء تحليق الطائرة التي تقل الوفد السعودي الذي شارك في نقل صورة مضيئة لثقافة وفن بلادنا لدى سكان دولة اليمن الشقيق ... لمست في نبرات صوت البلادي ثمة حزن وأسى وتبّين لي من خلال حديث امتد لزمن تحليق الطائرة بين مدينتي الرياض وصنعاء .. إذ تعرضت مكتبته الصوتية التي تحتوي بين جناباتها مايزيد عن 6 آلاف شريط للحرق ومجمل الأشرطة عبارة عن أنواع زاخرة من الفلكلور الشعبي في الحجاز .. بحجة أنها غير مرخصة .. يقول عابد بأن عشرة سنوات أمضاها وهو يجمع أنواعا نادرة من الألحان .. متكبداً السفر والترحال ضارباً أكباد السيارة طرق جبلية وعرة سالكاً مفازات رملية من أجل إشباع هوايته التي تنامت منذ صغره وبعد أن جمع كماً كبيراً من أنواع الألحان جاء الرقيب الإعلامي قبل عشرين سنة ليسلب الجهد والعناء والحقوق وبكل بساطة يتلفها بكاملها .. ليتركه محاولا وبيأس استرداد ماتسرب في الهواء من ألحان .. ويزجي عابد الشكر والتقدير لأساتذته الذين اسماهم بالكبار وهم عبدالعزيز شحاته ومحمد النشار وطلال مداح وذلك في فترة إرهاف الأسماع للصوت المتسرب الأسطوانة آنذاك .. ومن بين الأغاني التي تخلد في الذاكرة لا..لا يالخيزرانة ... سافروا ما ودعوني ، إلا أن عابدا تفرد عن غيره من الفنانين في الأداء المتقن للحن الخبيتي ليصبح علامة مميزة في هذا اللحن على مساحة المملكة .. إلى جانب الحان تراثية مهمة ، الجمّالي ، المجالسي ، الكسرة ، وتلك الألحان تنتشر على امتداد الساحل الغربي .. ويعتز عابد باللقب " ملك الخبيتي " الذي أطلقه عليه فنانون كبار أمثال محمد عبده وطلال مداح وطارق عبد الحكيم وسراج عمر ومحمد شفيق .. ويصف عمله بأنه يقدم كنزاً ثميناً وهو التراث .. والذي حاز على إعجاب الكثيرين أثناء مشاركته في مهرجان الباسل بسوريا وفي الأيام الثقافية في دولة اليمن الشقيق .. ويعتب العابد على التلفزيون السعودي في ضعف إنتاجيته لأنواع الفلكلور الشعبي واصفاً إياه بأنه مخزوناً ثقافياً واجتماعياً وفنياً ينبغي الحفاظ عليه .. ولم يندم أبداً على ضعف المردود المادي من جراء انشغاله بالفن مؤكداً أنه يؤدي رسالة أمينة وهي الحفاظ على الفلكلور الشعبي .. وبعدها أطلق لحنجرته الغناء بلحن الخبيتي ليغسل ماترسب من أوجاع .. وكنت وقتها أستمع له بإنصات . **هل يمكن تطوير إيقاع العرضة؟ سؤال مدهش !!ويراه آخرون سخيفا إلا أنه يقودنا إلى استنتاج عجيب وهو رفض التغيير حتى لو كان جميلا بحجة أن آذاننا تعودت على الزير والطبلة والزلفة والدف فقط لنفترض أن آلة العود موجودة ماذا نتوقع أن يحدث؟ حتما سيضفي ذائقة جديدة ربما تدفع بأدوات الإيقاع إلى التلاشي لماذا لا نجرب مرة واحدة؟ وبعدها نقول يصلح أو لا يصلح!! شلّ بالطرق قال أحمد بن جبران يا طرفي الزهوقا كم لي أنهى ما تنهويت لكن مانت العيب قلبي بورة العيب وأنت ماهلا رسولا يرسلك حنّه من وراء الأضلاع وازي. صراع بين الذات والجسد... العين والقلب وما ينجم عنهما من شوق وغرام الشاعر يسعى لنهي العين وهي المفتاح الحقيقي لرؤية الجمال ويصفها الشاعر بأنها رسول للقلب الذي يختبيء خلف الأضلاع.. صورة شعرية رائعة نسجها ابن جبران توضح التوتر الذي يعيشه الشاعر والصراع الداخلي بين الذات والعين والقلب ثمة فلسفة عميقة صاغها الشاعر بكلمات شعبية بسيطة إلا أنها أنيقة.