سأل رجل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن حق الوالدين على ولدهما قال: (الوالد أوسط أبواب الجنة فحافظ على الباب أو ضيّع). وفي حديث مسلم: قال رجل للنبي أبايعك على الهجرة والجهاد ابتغي الأجر من الله. قال له النبي: (فهل من والديك أحد؟ قال: نعم بل كلاهما. قال: فارجع إلى والديك فاحسن صحبتهما). وها هي الآيات تأتينا محذرة من عقوق الوالدين ففي سورة لقمان الآية 15: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا". فقد نزلت هذه الآية في أحد الصحابة. لما علمت أمه بإسلامه امتنعت عن الطعام والشراب ثلاثة أيام مهددة بالامتناع حتى الموت رغم محاولة اقناعها بالعدول عن ذلك.. فقال لها: والله يا أم لو أن لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني هذا - مع ما اشتهر به من بره بأمه. وفي سورة الإسراء آية 23، 24: قال الله تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا". جاءت كلمة (وقضى ربك) أي أمر ربك – أمر مؤكد لازم. وقد قرن الله العبادة ببر الوالدين، كما جاء في آية أخرى "أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير". فقد نهى الله عبادة غيره وقصر العبادة لله وحده كما في الآية: "ألا تعبدوا إلا إياه" ثم تأتي المبالغة في الإحسان للوالدين "وبالوالدين إحسانا" لحاجة الوالدين في الكبر إلى العطف والإحسان، ثم تأتي "إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف" إي إذا ما كبر احدهما أو الاثنان فلا تنطق بكلمة "أف" أي لا تتأفف وهو أدنى مراتب القول والفعل، "ولا تنهرهما" أي لا تزجرهما بأي قول أو فعل قبيح يتضجران منه وهو تأكيد في زيادة النهي، وفي ذلك يقول الفلاسفة خير الزواج مبكره.. قيل ولم؟ قالوا: لأنه الطريق الوحيد لإنجاب والد يعولك في طفولة شيخوختك.. بمعنى أن الشيخوخة تعود بالإنسان إلى حالة أشبه بالطفولة. ثم تأتي الآية "وقل لهما قولاً كريمًا" وأن يكون كل قولك لهما قولا لينا طيبا حسنا بأدب وتوقير مما يرفع من شأنهم بما لهم من حقوق عليك.. ومن أمثلة ذلك أن شابا كان يعطي إناء الطعام لأبيه ولما كانت يد الأب ترتعش لكبر سنه سقط الطعام على ثوب الإبن فأخذ الشاب يلعق الطعام المسكوب على ثوبه ويقول لأبيه أطعمتني أطعمك الله.. حتى لا يشعره بأي ذنب.وتأتي الآية: "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" والجناح هو الذي يعلو ويخفض فإياك أن تعلو بجناحك عليهما واختر لهما أن تنخفض إلى أدنى المراحل لأنه عطف مطلوب منك نحوهما، والذل هو القهر إلا أنه جاء هنا بصيغة العطف كقوله تعالى: "أذلة على المؤمنين". "وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا" ولم يقتصر الأمر برحمتك لهما بل اسأل الله رحمته الأعم لهما، واطلب حسن الآخرة لصبرهما على تربيتهما لك. وتشمل التربية هنا كل من ربى الصغير – إن لم يكن هناك من والدين – وكان رسول الله يقول لأم أيمن: (أنت أمي بعد أمي). وفي الحديث جاء رجل إلى رسول الله فقال: إن أبي أخذ مالي. فقال النبي: اذهب فاتني بأبيك ونزل الوحي على النبي فقال: إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك إذا جاءك الشيخ فسله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه، فلما جاء الشيخ قال له النبي: ما بال ابنك يشكوك تريد أن تأخذ ماله. قال الشيخ: سله يا رسول الله هل أنفقته إلا على إحدى عماته أوخالاته أو على نفسي، فقال النبي: ايه دعنا من هذا وأخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك، فقال الشيخ والله يارسول الله ما يزال الله يزيدنا بك يقينا وقال: غذوتك مولودا ومنتك يافعا تعل بما أجني عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهرا أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيني تهمل تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقت مؤجل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل حينئذ بكي رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وقال يا بني ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى لحال أبيك ثم أخذ النبي بتلابيب الابن وقال له أنت ومالك لأبيك. إن من سخط الله على الابن العاق أن يعجل الله العقوبة له في الدنيا وهناك عذاب الآخرة.