اتفقت الشرائع السماوية على بر الوالدين، وهو دليل على صدق الإيمان، وكرم النفس، وحسن الوفاء. وبر الوالدين من محاسن الشريعة الإسلامية؛ ذلك أنه اعتراف بالجميل، وحفظ للفضل، وعنوان على كمال الشريعة، وإحاطتها بالحقوق كافة. ويعجّل الله عزَّ وجلّ بعقوبة الوالدين في الحياة الدنيا قبل الممات، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “كل الذنوب يؤخر الله ما يشاء إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجل لصاحبه في الحياة الدنيا قبل الممات”. وجاء العقوق في الحديث النبوي الشريف من أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله عز وجل، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أعظم الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس”. وما دفعني إلى ذكر الحديث السابق ما نراه حاليا من بعض الممارسات التي يقوم بها البعض تجاه آبائهم وأمهاتهم، ولهؤلاء أقول: ألا تعلموا أنكم قد أسخطتم الله عز وجل بسخط والديكم عليكم، إذ قال الرسول الكريم: “رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الرب عز وجل في سخط الوالدين، وهل نسيتم أن الفضل يرجع إلى والديكم بعد الله في نشوئكم وترعرعكم، وما وصلتم إليه. ألا تتذكرون أمهاتكم وحملهن لكم الشهور الطوال، وسهرهن من أجل إرضاعكم وتطبيبكم وتلبية رغباتكم؟..ألا تعلمون أن آباءكم ضحوا بالغالي والنفيس ليوفروا لكم ما تحتاجون إليه من مأكل وملبس ومسكن؟.. وهل هكذا يجازى الوالدان اللذان ضحيا بزهرة حياتهما من أجل أبنائهما. إن هذا لخزي وعار يندى له الجبين، ومخالف لقوله تعالى في محكم التنزيل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا). ومع احترامي الشديد للآراء التي تحدثت في القضية المنشورة في جريدتنا الغراء “شمس”، العدد 1200 الصادر السبت 25/ 4/ 2009بعنوان (أبناء يربون آباءهم)؛ لأن حقوق الوالدين كفلها الإسلام وجعلها من الثوابت، كما ذكرت سابقا، فمهما فعل الأب أو الأم فلا يمكن أن نقابل ذلك بالإساءة إليهما.