هناك نموذجان من الصعب دخولهما في الحياد، أو وقوفهما من حيثيات الحياة العامة بشكل موضوعي، وبالتالي من الصعب التأثير فيهما، ليرينا جادة الصواب أو رؤية الحقائق كما هي. النموذج الأول هو (المبهور بالآخر)، من الصعب أن تقنعه بعيوب هذا الآخر المبهور به، وخاصة إن كان لايزال يتخبط في حالة انبهاره، كالمحب لا يرى عيوب من يحب. النموذج الثاني هو (الكاره لنفسه) وبما تحمل تلك النفس من أبعاد في الهوية أو الانتماء أو الوطن، وهذا من الصعب إقناعه بأي محاسن تحملها أبعاده الذاتية أو النفسية، خاصة إن كان في حالة الارتداد عن الذات، أو عن الأمة التي ينتمي إليها، بل هو كاره لها ووسيلته في ذلك القيام بجلدها. إن بعض النخب العربية اليوم في أحد السياقين أو في كليهما معا، حيث النموذج الأول مرتبط بالنموذج الثاني، وتحديدا في مثل هذه المرحلة من عمر الأفراد والأمة، والذات الفردية والذات الجمعية في حالة انحسار، أمام انتشار قيم الآخر ونموذجه، ونقصد في العلاقة ما بين بعض النماذج العربية والنموذج الغربي، الطارئ بضراوة على أفق الوعي العربي اليوم. ومن هنا تأتي تلك العلاقة المهمة ما بين الذات العربية والآخر الغربي تحديدا، وحيث الذات العربية انكمشت في دائرة ضيقة من خطوط المقارنة، متجاهلة أن الآخر، يعني أيضا كل الحضارات الانسانية الأخرى في العالم، وهي لا تنحصر تحديدا في الغرب أو في أمريكا ولكن الذي حدث أن طغيان النموذج الغربي فرض نفسه على مجمل الحضارات والشعوب في العالم، لا بسبب أنه يمثل النموذج القيمي (من القيمة) أو الأخلاقي الأرقى، وإنما بسبب ارتباطه بالقوة الفارضة ذاتها قسرا على الأمم، وتحديدا في هذه المرحلة التاريخية الفارقة والحرجة في الصراع بين الوجه المادي للحياة والوجه الروحاني والأخلاقي، ليطغى المادي بكل تجلياته على حساب القيم الانسانية الراقية، وإن تجلى ذلك الطغيان علما وتكنولوجيا. * حين يرى المثقف العربي مثلا نجاح النموذج الغربي في تطوره العلمي والتكنولوجي والمادي، لا يهمه أمام سيادة قيم التسليع والاستهلاك الشمولي لكل شيء، إن كان ذلك النجاح فارغا من داخله، من حيث منظومة القيم والأخلاق والمنطق السوي، أو إن كان هناك التباسات خطيرة في علاقة الغرب الاستعماري بمنطقته وأمته وشعوبه، بل يقف موقف المنبهر به، وخاصة وهو يرى في الجانب الآخر، الفشل العربي أو فشل أمته التي ينتمي إليها، في صناعة العلم والتكنولوجيا والمعرفة والتحقق الجمعي الذي يليق بامكانيات تلك الأمة، ورغم ثراء تراثه العربي والحضارات القديمة والاسلامية بكل القيم والاخلاقيات ودوافع إعمال العقل والأخذ بالعلم وأسباب النهضة. حينما يرى هذا المثقف (في أغلبه) راهنه الحرج والصعب، مما يجعل من الصعوبة عليه الاستفاقة من (خدر) الانبهار بالآخر، المدمج بالطغيان الاعلامي أيضا، وبالمقابل يصعب عليه الاستفاقة من وطأة الهزيمة الذاتية . أخبار الخليج البحرينية