انفرج الباب الكهربائي اتوماتيكيا بمجرد أن شعر باقتراب الجسم البشري، وما أن تخطى السلالم الثلاثة لمدخل المؤسسة وابتعد عن دائرة الاستشعار التي يعمل فيها الجهاز حتى أعاد الباب الزجاجي دورته العكسية، حينها انتابه شعور قوي بأن أبوابا كثيرة قد أوصدت أمام الحل الإيجابي لمشكلته وما باب المؤسسة إلا مؤشر قوي على ذلك، فقد تلاشى أمله المتبقي في الحصول على وظيفة في المؤسسة الواقف على عتبة بابها بعد أن أعلن المسئول المختص أمامه عن إغلاق باب التوظيف فيها حتى إشعار آخر بسبب تأثيرات الأزمة المالية العالمية ونتائجها السلبية على نشاط المؤسسة، وكأن الأزمة العالمية التي أشار إليها المسؤول ما نشأت إلا لكي تقف حجر عثرة أخرى أمام توظيفه بعد أن تلقى ردودا مماثلة من مؤسسات أخرى، في اللحظة ذاتها ومشاركة لتلك المشاعر المتدفقة تزاحمت عليه أسئلة تهرب من الإجابة عليها معظم من قابلهم من أصحاب الاختصاص والنفوذ ممن إذا جرت أقلام مدادهم على موقع الاعتماد قبولا أو رفضا فلن تقف الموانع أمامها، وإن أجاب عليها البعض استجابة لإلحاحه المتواصل أو شفقة لمرأى حالته فإن الإجابات وبحسب تقييمه لها لا تحمل مصوغات مقبولة ولا مسببات مقنعة ولا تتضمن رأيا يعتد به تدفع تلك الأسئلة التشكيكية بعيدا عن مخيلته.. لماذا تهرب الوظيفة منه كلما اعتقد بأنها قد باتت في متناول يديه وكأنها سراب من خيال؟ أو لم يحصل على شهادة تخصصية من جامعة لها شهرتها ومكانتها درجة أن كل منتم إليها يفخر بهذا الانتماء وبدرجة علمية يعتز بها أيما اعتزاز، ويجتاز كل الامتحانات التحريرية والشفهية بنجاح، فلماذا لا يجد اسمه مع المقبولين في التعيين؟ هل يعتمد القبول فعلا على النتائج الحقيقية لتلك الاختبارات ويرتبط بالكفاءة أم أن عوامل أخرى تدعم طلبات الوظيفة لها علاقة بالواسطة والعلاقات والتحالفات والانتماءات، أم هو الحظ يخدم البعض ويخذل آخرين وهو واحد ممن يعترضه الحظ العاثر، أم تشوب عمليات الاختيار تلاعبات من نوع ما أو تتطلب شروطا ومقاييس لم يقف عليها أو لم يستوعبها أو لم يقدرها حق التقدير؟ كيف سيتعامل بعد اليوم مع لهفة والدة تنتظر أكثر من ثلاث سنوات تلك الساعة التي سيحمل لها نبأ تعيينه في وظيفة ما فيشرق وجهها بذلك الخبر السعيد، وآمال والد تتجدد كل يوم بأن يحمل له ولده جزءا من أول راتب شهري يعينه على ظروف الحياة، وأحلام أشقاء صغار لا يملون من الحديث عن هدايا قادمة تعبر عن المناسبة السعيدة. لقد قضى أكثر من عشرين سنة بين مقاعد الدراسة وقاعات التدريس يستمع ويتابع ويسجل ويعد الواجبات ويستذكر دروسه في غياهب الليل، يجاهد النعاس بين الخوف والقلق والأفكار المتناقضة، يعد العدة للاختبارات الفصلية والنهائية،الشفهية والتحريرية والتي لا يكاد يتنفس الصعداء من قضاء أحدها إلا ويفجئه الآخر بما هو أدهى وأمر، هكذا قضى حياته بين الأوراق والكتب والملخصات والبحوث والمراجع، يعالج النظريات ويحفظ النصوص ويبحث عن الاجابات ويعيد ترتيب المسائل، منذ السنوات الأولى لانخراطه في الدراسة وهو يعمل لهذه المرحلة، مرحلة العمل والعطاء واكتساب الخبرات، أدرك ساعتها وهو في مقاعد الدراسة أن النجاح والترقي والتطور في هذه المرحلة إنما يرتبط بسلاح العلم والمعرفة والكفاءة وهذا ما حرص عليه خلال المراحل الدراسية المختلفة، لم يربط الشهادة بالوظيفة كما يفعل الكثيرون وإنما ربط التحصيل العلمي بالمستقبل الوظيفي المشرق.. كل تلك السنوات ووالده يسانده ويعضده ويشجعه بما يملكه من مال ويستطيعه من دعم معنوي أملا في يوم يرى فيه ولده وقد تقلد وظيفة تشرفه أمام المجتمع.. أدرك وهو ينطلق نحو منزله بأن لا خيار أمامه سوى البحث المستمر والدفاع عن حقه في الحصول على الوظيفة، وعدم الاستسلام لعبارات جامدة لا تغني ولا تسمن من جوع يلقيها على مسامعه مسؤول في هذه المؤسسة أو تلك دون أن يعي نتائج تلك الكلمات عليه وعلى أسرته. الوطن العمانية