قرأت ما كتبه أحد الكتاب تحت عنوان " النسل المتزايد " وذكر فيه ما نصه " أن ثلاثة أرباع مشاكلنا من الزيادة المضطردة في السكان، ووجه رجاء إلى وزير الشؤون الاجتماعية إن يبادر إلى حملة توعية إلى تنظيم النسل وخاصة بين مستحقي الضمان الاجتماعي وليكن شعارها أربعة أطفال كفاية...." وتابعه بعض الكتاب ممن هم على شاكلته في الرأي وأيدوا اقتراحه، وطالبوا بتفعيل ذلك. ويظهر أن الكاتب يبني رؤيته في أسباب وجود البطالة بتزايد النسل ويرى أن العلاج للقضاء على البطالة هو تحديد النسل، ولم يجتهد في وضع الحلول المناسبة للبطالة، ولكنه قفز مباشرة إلى تحديد النسل وكأنه لم يقرأ قول الله: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) وكأنه لا يعلم إنه إذا ورد النص فلا اجتهاد ولا يحق لكائن من كان أن يعارض أمر شرعي يقول الله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) فالواجب الإذعان لكل ما جاء به الشرع ولا يحيد عن ذلك إلا من يبتغى غير سبيل المؤمنين. إن القول بتحديد النسل استناداً إلى أسباب لا تنهض مبرراً للقول بتحديده، بل ولا ترقى إلى الأخذ بها حتى لتنظيم النسل، فإن ذلك خروج عن جادة الصواب وخوض في أمور ذات مساس بنصوص شرعية ثابتة كاستنادهم في تحديد النسل إلى قلة الأرزاق، وكأنهم لا يعلمون أن الله قد كفل للعباد رزقهم، ف فالاقتراح الذي خلص إليه الكاتب مصادم للثوابت والمقاصد الشرعية، وليس ثمة دليل معه يستطيع أن يركن إليه في ذلك. إن مسألة انتظار تحسن الأحوال ومواءمة الظروف للتكاثر فيها ألف وألف نظر فالأبناء لا يباعون في البقالات، فيتسنى للأب شراء ما يحتاج منهم في حالة وفرة وتحسن الأحوال وتوفر البني التحتية؟! ثم هل هذه الأمور كلها وجدت في مجتمع من المجتمعات الحاضرة أو الغابرة؟! إن من يقول بذلك فإنه يستمطر الهباء ويزرع في أرض سبخاء.! فالفقر والمرض وغيرها ليس منشؤها كثرة النسل. إن سببها هو عدم استغلال الموارد الطبيعية حق الاستغلال وعدم توجيه عائداتها إلى ما ينفع العباد والبلاد في كل بقاع الأرض، وعدم حسن توزيع الثورات، فالحروب وتبديد الثروات في غير سبيلها الصحيح هي التي تؤدي إلى شح الفرص. ثم هل كل أسرة لديها عدد قليل من الأبناء تكون قد قامت بواجبها تجاه أبنائها على الوجه المطلوب، وعاشوا في رغد من العيش، كما أنه ليس كل أسرة كثيرة الأبناء أهملت واجباتها وتخلت عن دورها تجاههم، ونسأل هؤلاء الكتاب عن الدول العظمى كم عدد سكان كل منها، وهل أثر ذلك سلبياً في تقدمها صناعياً أم العكس؟ ونسألهم سؤالاً بريئاً هل رجعتم للوراء واستنطقتم التأريخ وتأملتم في صفحاته أسماء المبدعين والمخترعين والمكتشفين ونظرتم في أحوالهم الاجتماعية والمالية فهل كانوا من المترفين أم من الكادحين؟! الجواب: إنهم في الغالبية العظمى كانوا من الكادحين الذين دفعتهم الحاجة للبحث والاختراع والإبداع أما المترفين فلا وقت عندهم للتفكير في مثل هذا فهم منغمسون في ملذاتهم يقتاتون على أكتاف غيرهم، مكتفين بالتحجير والتنظير والتلذذ بمتع الحياة ونزواتها. لقد صدرت فتاوى بتحريم تحديد النسل ففي 13 4 1396ه أصدر مجلس هيئة كبار العلماء قراراً برقم 42 جاء فيه:" ونظراً إلى أن دعاة القول بتحديد النسل أو منع الحمل فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين بصفة عامة وللأمة العربية بصفة خاصة حتى تكون لهم القدرة على استعمار البلاد وأهلها، وحيث أن الأخذ بذلك ضرباً من أعمال الجاهلية وسؤ ظن بالله تعالى وإضعافاً للكيان الإسلامي المتكون من كثرة اللبنات البشرية وترابطها ولذلك كله فإن المجلس يقرر: بأنه لا يجوز تحديد النسل مطلقاً ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد منه خشية الإملاق لأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين، وما من دابة إلا عليه رزقها." كما صدر قرار من مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت بتأريخ 6 5 1409ه تضمن في نصه:" أنه لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب وأنه يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل والمرأة." وفي اعتقادي أن في النصوص الشرعية وفي هذين القرارين الصادرين عن علماء الأمة كافياً للرد على دعاة تحديد النسل والذين ينطلقون من مبادئ مصادمة للشريعة والعقل. وأسأل الله تعالى أن يصلح لنا نياتنا وذريّاتنا ويمدنا بالعون إنه سميع مجيب. ص. ب 9299 جدة 21413 - فاكس: 6537880 [email protected]