خلق الله الانسان في احسن تقويم، واكرمه بالفضل الذي يميز الخبيث من الطيب، وهو مناط التكليف الشرعي، واصطفى من البشر الانبياء والرسل الكرام، وانزل الكتب الالهية لتكون السراج المنير الهادي للعالمين .وقد اراد الله عز وجل للانسان خيرا، والسعادة في الدنيا والآخرة، حتى على مرتكزات الهية واخلاقية وانسانية، وشرع من العقيدة والاخلاق والمعاملة التي تنظم الحياة على اسس عادلة، توازنا بين حاجات الروح والجسد، وتؤكد على الانسجام الكامل بين النظرة للدنيا والآخرة، برؤية شمولية لا يطغى فيها جانب على آخر .قال الله تعالى : وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا . والتشريع الالهي العادل لم يفرط في شيء، فقد رعى الانسان وهو لا يزال جنينا في احشاء امه، وحرم الاعتداء عليه، والزم الوالدين رعايته نفسياً وصحيا .واوجب على الام العناية بنفسها، واثبت في مدونات الفقه الاسلامي بيان الاحكام الفقهية الخاصة به، مما يدل على تكريم الانسان عند خالقه، كما رعى التشريع الالهي الانسان وهو في سن الصبا والشباب والشيخوخة، ورتب له من الحقوق الشرعية المتبادلة بين الاصول والفروع ليعيش مطمئناً امناً على نفسه وماله وعرضه .وقد راعى التشريع الالهي الدقيق المنظم والمتوازن حالات الضعف والقوة والصحة والمرض للانسان، فلم يفرض عليه من التكاليف ما لا يطيق، ولم يكلفه ما لا يحتمل، كل ذلك في حدود المستطاع، قال تعالى : " لا يكلف الله نفساً الا وسعها " واحاط التشريع الالهي الفرد والجماعة بسياج من الحماية الاخلاقية والقانونية وشرع للامة من التشريعات المنظمة لحياتهم في مختلف جوانبها حيث اكد القرآن العظيم على هذه التشريعات والخصائص التي تفردت بها الامة العربية والاسلامية عن غيرها، فقال عز وجل : " ما فرطنا في الكتاب من شيء " . عاشت الامة العربية الاسلامية في عزة ومنعة يوم ان تمسكوا بحبل الله المتين، وكانوا سادة العالم عدلا وانصافا للمظلوم، وتبوأت الحضارة الاسلامية بشقيها الروحي والمادي مكانة رفيعة خالدة بين الحضارات المادية، ولا تزال تنطق بالروعة والدهشة لما يعانيها بدقة وانصاف وموضوعية، وعاش كل من توطن في ظل الدولة الاسلامية العادلة من غير المسلمين، وقد امن على نفسه وماله وعرضه . إن الامة العربية الاسلامية تملك التشريع الالهي الذي حوى المبادئ الخلقية والانسانية، ودعا الى العدالة المطلقة واحقاق الحق، وانصاف المظلومين والمستضعفين في الارض، ونحن ندرك جميعاً حاجة العالم الماسة الى المنقذ لها مما وصلت اليه من تخبط مادي، وفراغ توجه لخير البشرية بل احتكرتها الايدي الخبيثة التي ابت الا العلو والافساد في الارض، وامتنا ذات الرسالة الخالدة تستطيع ان تمسك بزمام المبادرة لاعادة التوازن من جديد الى حياة الانسان والبشرية قاطبة لانها تملك المقومات المادية والروحية وعندها النخب الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعسكرية على المستوى المحلي والاقليمي والعالمي، اذا تعانقت ارادة الخالق في الاصلاح والتغيير الحقيقي الى الافضل، لتغيير الواقع المؤلم الذي يعاني منه العالم اليوم . وهذا يتطلب من علماء الامة وقادة الفكر والسياسة فهم معالم هذه الشريعة الغراء، والوقوف على مواطن الاتفاق، والبعد عن مواطن الاختلاف لان الجوامع المشتركة بين الاطياف السياسية موجودة في هذه الشريعة الغراء، ولابد من وقفة جادة وحازمة وشجاعة وجريئة قادرة على انكار الباطل، والعمل الدؤوب على الاصلاح الديني، والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري بعد ان نبدأ بتغيير انفسنا مع نبذ الرواسب التي سببت لنا التأخر عن ركب التقدم وقيادة العالم، وفي دستور الامة الخالد، والسنة المطهرة وسيرة السلف الصالح، والتخطيط الحي الامثل، والمراجعية الصادقة، مع اتاحة الفرصة للابداع الفردي والجماعي حتى تتبوأ امتنا مكانتها التي فقدتها في غمرة تداعي الامم عليها . ولنكن على ثقة ان الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، وفيها الشفاء من كل اسباب المرض الفكري والخلقي والتخلف والانحراف .