بدأت الإجازة الصيفية وكلنا نتوق إليها خاصة بعد عام دراسي طويل ، ولكن قليل منا يسأل : كيف نستفيد من هذه الشهور فيما يعم علينا بالنفع ، والنقطة المهمة في ذلك هي الوقت ، وفي حياتنا المعاصرة لا أظن أن أحدا يغرس قيمة الوقت في حياة أبنائه مع الانشغال في الحياة ما بين استغراق وراء لقمة العيش أو الترفيه الذي يهدر أوقات الشباب. يروي التاريخ أن الإسكندر المقدوني عندما انهزم في أحد المعارك واختلائه بنفسه لتدبر النتائج والتفكير فيما حل به وبجيشه . تقول الرواية أن نملة لفتت انتباه هذا القائد التاريخي وهي تجر حبة قمح وتريد الصعود بها لكنها كانت تسقط منها ، ومع ذلك تعيد الكرة مرات ومرات دون يأس حتى نجحت في مهمتها ، ففهم هذا القائد أن السر في العزيمة وعدم اليأس وأن الانكسار لا يعني النهاية ، وبالفعل حقق بهذا الدرس انتصارات. ويروى أيضا أن النبي سليمان عليه السلام سأل نملة : كم تأكلين في السنة ؟.. فأجابت ثلاث حبات ، فأخذها ووضعها في علبة ووضع معها ثلاث حبات حتى مضت السنة ، فنظر النبي سليمان إلى أوضاعها فوجدها قد أكلت حبة ونصف فقط ، وطبقا لما روي في الأثر قال لها : كيف ذلك ؟.. قالت : عندما كنت حرة طليقة كنت أعلم أن الله لن ينساني ، أما بعد أن وضعتني في الحبس فقد خشيت أن تنساني أنت . هذا درس آخر في تدبر المعيشة والتكيف مع الظروف التي لا نرى فيها اليوم أي مظهر من مظاهر إدارة المال وحسن الإنفاق فالنمل يعمل في الصيف ويدخر للشتاء القاتل له ويدرك ذلك بالفطرة ، بينما معظمنا يعمل بالمبدأ الخاطئ :"انفق ما في الجيب، يأتيك ما في الغيب". إن إدارة الوقت مسألة مهمة ، وهي من تعاليم ديننا الحنيف ، فالصلاة تعلمنا تنظيم الوقت بحسن أدائها في أوقاتها الموزعة على الليل والنهار ، وفيها حكمة عظيمة للخالق عز وجل لعباده حيث تمثل أوقات الصلاة النظام الأمثل لحياة الإنسان في اليوم ، والذي يتيح العبادة وأيضا أداء وإنجاز الأعمال والوظائف كلٌّ في مكانه في المكتب أو المصنع أو الأرض ، لذلك فالإنسان مع الصلاة لا يشكو من ارتباك برنامجه اليومي ولا عدم القدرة على ضبط حياته ، بل أن من يحافظ على صلواته الخمس في مواعيدها وفي الجماعة تستقيم حياته وتنضبط ساعته البيولوجية التي تحدد موعد نومه ويقظته وبراحة تامة للجسم والذهن طالما لم يربك جسده بالسهر الزائد الذي يضيع اليوم . إن الوقت كما حظي في الإسلام باهتمام وتعاليم أساسية فيها صلاح حياة الإنسان ، فإنه حظي أيضا من العلماء بالأبحاث والنظريات والتأكيد على أن تنظيم الوقت هو أساس النجاح. في حياتنا اليومية باتت الأمور متداخلة في بعضها ، وحتى في مواعيدنا نادرا ما يلتزم الناس ، وذلك لعدم احترام الوقت ، مع أن التكنولوجيا الحديثة وفرت استخدامه ووفرت منه الكثير في أداء الأعمال أو التنقل بالوسائل الحديثة والاتصالات ، ورغم ذلك نستخدم هذه الأدوات دون أن نلتزم في دواخلنا بقيمة الوقت ، ولعله هو الأرخص في حياتنا ، مع أن الوقت هو العمر وسنسأل فيم أفنيناه. إذا أحسن الأبناء استغلال الوقت لحققوا أعلى الدرجات ونهلوا علوما أكثر ، وإذا فعل الموظف ذلك فلن تتراكم أمامه الأعمال ولا طوابير المراجعين ، ولو أنجز الأمهات مسؤولياتهن في مواعيد دقيقة لسارت الحياة الأسرية بانضباط ومرونة ولأصبحت أكثر سهولة وراحة للنفس. ودروس حياة النمل والنحل وغيرها من مخلوقات الله الضعيفة دروس عظيمة ، ونحن نراها ونتأملها ونحكيها ، ومع ذلك لا نجد لها أثر في حياة الإنسان الذي يقضي الساعات أمام التلفاز ويدفع الملايين والمليارات في العالم جراء ثرثرات في الهاتف والجلسات ، بينما تلك المخلوقات لا تعمل إلا بالفطرة وتنجز لتحافظ على حياتها وتعطينا من خيراتها ، فهل من وقفة لاستغلال واستثمار شهور الإجازة وكل حياتنا اليومية ، ونقرر مع كل صباح ماذا نريد أن نحقق .. أسأل الله التوفيق والسداد وأن يهدينا سبيل الرشاد . حكمة : قال صلى الله عليه وسلم :"نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس .. الصحة والفراغ". مصطفى محمد كتوعة للتواصل 0230973