«ابن الساقطة». عبارة شتيمة «ضجّت» بها قاعة «المحكمة الخاصة بلبنان» في لايتسندام (لاهاي) و«تسلّلت» الى آذان الحاضرين فيها اول من امس، بعدما تلفّظ بها المحامي اكرم عازوري، وكيل المدير العام السابق للأمن العام اللبناني اللواء جميل السيّد، من دون ان يعلم ان مذياعه لم يكن مقفلاً، متوجهاً الى أحد مساعديْ المدعي العام الدولي دانيال بلمار، وهو ما أضفى «سخونة» على الجلسة العلنية «المتوترة» التي عُقدت بناء على طلب السيّد الذي يطالب بتزويده الأدلّة والمستندات والتسجيلات الصوتية والمحاضر «عن شهود الزور وشركائهم والمسؤولين عن التوقيف التعسفي» الذي طاوله على مدى 44 شهراً (بدءاً من نهاية اغسطس 2005) في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، كي يتمكّن من مراجعة المحاكم الوطنية المختصة وإبراز تلك الأدلّة والوثائق لها في سبيل ملاحقة هؤلاء ومقاضاتهم. وكادت هذه «الشتيمة» ان تحجب الأنظار عن السياق القانوني للجلسة التي كان قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين وافق على عقدها، والتي شهدت مرافعات من السيّد ووكيله ومن مكتب المدعي العام الدولي تركّزت على نقطتين هما: اختصاص «المحكمة الخاصة بلبنان» للنظر في طلب السيد، والثانية ما إذا كان السيد يملك صفة قانونية للتوجه الى المحكمة بمثل هذا الطلب. وغداة هذه الجلسة التي استمرت نحو ثلاث ساعات، باتت أنظار بيروت شاخصة على القرار الذي سيتخذه فرانسين في سبتمبر المقبل، وهو الموعد الذي يتزامن مبدئياً مع التوقيت المحتمل لصدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الحريري، علماً انه نُقل عن بلمار قوله لبعض مَن التقاهم خلال زيارته الاسبوع الماضي مقر الاممالمتحدة في نيويورك انه يتوقّع صدور القرار الظني «قبل نهاية السنة الحالية». في موازاة ذلك، عكفت بعض الدوائر السياسية والقانونية على قراءة ما شهدته الجلسة العلنية الثانية التي تعقدها المحكمة الدولية منذ انطلاقتها في الاول من مارس 2009 في محاولة لتلمُّس «طرف الخيط» من القرار الذي سيتخذه قاضي الاجراءات التمهيدية و«يفصل» فيه بين السيّد الذي يتمسك بحقه في الحصول على الوثاشق لمقاضاة «شهود الزور» وبين بلمار الذي يؤكد أنه ليس من اختصاص المحكمة اصلاً تسليم ملفات ليست من اختصاصها، علماً ان رأي فريق الدفاع الذي عبّر عنه رئيس المكتب فرانسوا رو، اول من امس يؤيّد حقّ من احتجزت حرّيته لنحو أربعة أعوام بمعرفة اسباب ذلك الاحتجاز. وكانت الجلسة تخللتها مرافعة للمستدعي وموكله عازوري، وللمحامين العامين التابعين لمكتب المدعي العام داريل مندس وإيكهارت فيتهوبف، وحضرها «رو» والمساعدة القضائية للمحكمة آن ماري برنز، فيما غاب بلمار. وبعدما حدد فرانسين قواعد الجلسة، وأهمها عدم ذكر معلومات أو أسماء لأشخاص غير موجودين في الجلسة، معلناً أن الجلسة مخصصة للبحث في اختصاص المحكمة في النظر بالطلب الذي قدّمه اللواء السيد، وإذا كان المستدعي يحمل الصفة للتقدم بالطلب. ركز عازوري في مطالعته على اعتبار اختصاص المحكمة قائما، ولو في غياب النص عليها في نظامها الأصلي، من خلال الحق بتوسيع الاجتهاد في عملها. وركز على انعكاس الأدلة المتوافرة التي يطالب بها اللواء السيد على مجرى التحقيقات، ومدى الحصانة التي يتمتع بها في إطار التحقيق مع بعض المسؤولين عن الاعتقال التعسفي. ثم سمح فرانسين للواء السيد باستباق مداخلة الادعاء العام وتقديم مداخلة باللغة العربية، لم تكن مبرمجة أصلا، اذ كان حضوره للرد على أسئلة فرانسين في نهاية الجلسة. وقال السيد «إن شاهد زور واحدا قد يستطيع تمرير شهادته أمام القاضي بالصدفة، لكن تمرير عشرات الشهادات المزورة أمام عدالة لبنانية ودولية كفؤة، مؤامرة على الرئيس الحريري». بعدها تولى ايكهارت، ومانديز الرد بشدة على المحامي عازوري وبرهنة أن المحكمة غير مختصة النظر في القضية. وقال مانديز في افتتاحيته «ان جوابنا هو لا، والحجج التي ساقها السيد هي حجج وقائعية لا تستند إلى لوائح المحكمة، ولا تدخل في إطار المادة الثانية التي تحدد تفاصيل اختصاص المحكمة»، مشدداً على ان صلاحية المحكمة محددة بالامور المتعلقة بالارهاب ولا سيما المسائل المتعلقة باغتيال الحريري ما يعني انها غير مختصة بطلب السيد، وقال الادعاء انه حتى ولو كان ذلك من اختصاص المحكمة فليس لليد الحق في المثول امامها لانه ليس متهما من جانب المحكمة ولم يكن كذلك. وفصل بوضوح بين مسؤوليات عمل لجنة التحقيق الدولية والسلطات اللبنانية، وبين ما يقوم به الادعاء العام». وبعدما امتنع فريق الادعاء عن الرد على أسئلة وجهها قاضي الإجراءات التمهيدية عما إذا كانت الحكومة اللبنانية سلمت المحكمة النسخ أو الإفادات الأصلية للشهود والأدلة، وعما إذا كان يحق لشخص احتجز بسببها أن يطلع عليها أم لا، معللاً الامتناع بأنه يأتي لكونها أسئلة خارجة عن نطاق التكليف الذي منحه المدعي العام لفريقه في هذه الجلسة، ما كان من عازوري إلا أن شتم فريق الادعاء مستخدماً عبارة «ابن الساقطة» في شكل سمعه الحاضرون في الجلسة نظراً لكون المايكروفون لم يكن مقفلاً، فرد عليه أحد ممثلي الإدعاء بأن تصرفه النابي هذا ستكون له تداعيات، الأمر الذي حاول المستدعي اللواء السيد تطويقه وتبريره إثر انتهاء الجلسة عبر وضع كلام عازوري في إطار أنّ «اللبنانيين معتادون على السباب، وما بدر من وكيلي هو مجرد سقطة وليس موقفًا».