تبنى مجلس مندوبي دول الاتحاد الأوروبي كما كان متوقعا، صباح الأربعاء، بدء تطبيق قرار الاتحاد من سبتمبر الماضي بوسم المنتجات الصناعية والزراعية التي مصدرها المستوطنات الإسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، بملصقات خاصة تبين مكان الإنتاج وتترك لكلّ دولة من دول الاتحاد حرية تحديد حجم التنفيذ، وكما كان متوقعا أيضاً فإن ذلك أثار سخط إسرائيل التي سبق ودانت هذا التوجه الأوروبي وقامت باستدعاء ممثل الاتحاد الاوروبي لديها، واعتبرت أنه يضرّ بفرص التسوية مع الفلسطينيين ويعقد فرص الحلّ. فيما أكد الإتحاد الأوروبي أن وضع ملصق المنشأ على منتجات مستوطنات اسرائيل "تقني وليس سياسيا". ولعل ما يقلق إسرائيل أن هذه الخطوة تشكل انتقالا رسميا أوروبياً من حملات المقاطعة الخاصة والفردية المنتشرة في أوروبا كالبي دي أس إلى سياسة رسمية أوروبية، تدرجها إسرائيل في إطار زيادة عزلتها الدولية وتقويض شرعيتها باستخدام أدوات اقتصادية للتأثير السياسي. أوروبا.. الشريك الاقتصادي الأول لإسرائيل ما يقلق الإسرائيليين حقّا هو أن دول الاتحاد الأوروبي هي المركب الاقتصادي الأول في الاقتصاد الإسرائيلي ويحظى بتصدير 30% من مجمل الصادرات الإسرائيلية فيما أن الولاياتالمتحدة تشكل 20% من الصادرات والدول الآسيوية 10% منها، وحتى لو كان ما تصدره المستوطنات هامشيا فإن خشية إسرائيل أن ما يبدأ بمنتجات المستوطنات قد يمتدّ إلى تلك التي تصدر من داخل الخطّ الأخضر. إسرائيل تهدّد أوروبا تنظر إسرائيل إلى الخطوة الأوروبية الرسمية كجزء من مشهد "المقاطعة" المتبلور أوروبياً في السنوات الأخيرة، كنشاط ال bds التي ذكرناها سابقا والمقاطعة الأكاديميّة التي تزداد اتساعا للجامعات والأكاديميين الإسرائيليين، وبعض الشركات الخاصة وشبه الرسمية كأورانج الفرنسية، وتخشى من أنه بسبب سوء العلاقة بين نتنياهو والرئيس الأميركي وفي ظلّ تراجع الدور الأميركي في إيجاد تسوية، فإن أوروبا تحاول من خلال قرارات كوسم منتجات المستوطنات أن تفرض دورا سياسيا بأدوات اقتصادية مؤثرة تأخذ منحىً تدريجيا لجهة التصعيد. ومن هنا فإن التهديد الإسرائيلي الأول كان بإقصاء أوروبا عن لعب أي دور في عملية السلام، المتوقفة منذ سنوات، والادعاء بأن تأثير الخطوة الأخيرة على الاقتصاد الإسرائيلي يبقى هامشيا، لكنه قد يكون مدمرا لذلك الفلسطيني، لأن آلاف العمال الفلسطينيين يعملون في المناطق الصناعية المقامة في الضفة الغربية، إلى جانب إجراءات فورية شكلية كاستدعاء سفراء دول الاتحاد وتوبيخهم، بالإضافة الى التلويح من قبل نتنياهو بإلغاء صفقات تجارية مع دول الاتحاد والتوجه إلى بدائل آسيوية - نتنياهو سيزور الهند قريبا - لكن هذا التوجه لا يبدو جديا فهي سياسة يتبعها نتنياهو منذ عام 2008 ولكن المعطيات بيّنت فشلها، حيث ازداد حجم التبادل التجاري مع أوروبا تحديدا، ولم يتطور كثيراً مع الدول الآسيوية حيث بقيت النسبة 10% فقط من حجم التصدير الإسرائيلي. وما يزيد غضب الإسرائيليين أن هذه الإجراءات تأتي بعد تراجع محورية القضية الفلسطينية في ظلّ الأزمات الإقليمية وتأكيد الأميركيين أن حل الدولتين لن يجد تنفيذا في خلال ما بقي من ولاية أوباما إلى جانب المواجهة الراهنة والانفجار في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، وإن كان أسهم في إعادة الاهتمام العالمي والإعلامي بالموضوع الفلسطيني، ومن هنا تستل إسرائيل كما في السابق سلاحا ذا حدّين في وجه الأوروبيين تحديدا، بالعزف علو وتر "المحرقة" النّازية بتشبيه "الملصقات" على منتجات المستوطنات بنجمة داوود الصفراء التي أجبر النازيون اليهود على تعليقها على ثيابهم، وهو تشبيه يستخدمه سياسيون إسرائيليون يجاهرون في اتهام أي نشاط لمقاطعة إسرائيل بنشاط معادٍ للسامية، على الرغم من أن الحكومات الأوروبية تمتنع عن تبني سياسة مقاطعة رسمية ضد إسرائيل.