✒حتى وقتٍ قريب.. كنت أظن كتب السنة النبوية التي تجمع بين*ثناياها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، باختلاف أنواعها (الجوامع، والمسانيد،*والسنن، والزوائد....) هي كتب مراجع لا تُقرأ من الجلدة إلى الجلدة. قد يستثنى من ذلك (مجالس السماع) وحفظ طلبة العلم للكتب الصحيحة منها،*كصحيحي البخاري ومسلم. ثم أخذ هذا الظن مني يتغير شيئا فشيئا مع معرفة أناس ذوي همة*عالية! يحرص أحدهم على قراءة كتب السُّنّة المشهورة، مع علمه بمميزات كل كتاب*ومآخذه ومنهج مؤلفه فيه. والهدف من قراءاته - التي قد يتكرر فيها الكتاب الواحد*أكثر من مرة - هو معرفة أكبر قدر ممكن من سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم*(القولية والفعلية والتقريرية) والتي احتوتها مجموع تلك الكتب المباركة. بصيغة*أخرى: الدافع حب "مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم". اليوم وقد وفّقني الله لإتمام قراءة (معالم السنة النبوية) بأجزائه*الثلاث، أود أن أشارك القارئ الكريم ببعض الفوائد التي يجنيها قارئ ما في كتاب من*كتب السنة؛ لعل كلماتي تصل لهمّة القارئ فتُعليها،*فأقول: .*******إن الانتقال من حديث نبوي إلى حديث نبوي يجعل حالة من الجو الإيماني*تغشى قلب القارئ.. مع تكراره بشكل يومي تشعر أنك في مجلس رسول الله صلى الله عليه*وسلم، تسمع منه ذاك الحديث؛ فتتأثر به كما لو قيل لك... فتضحك إن قرأت "ضحك النبي"*وتبكي إن قرأت "فبكى"!.... .******قد تمر بأحاديث تعرفها، لكن*ستندهش أن حديثين - أو ربما أكثر - قد قيلا في مجلس واحد! لكنك حين درست في صفوف*المدرسة درست جزءًا من الحديث بقدر يناسب الدرس، ودرست جزءا آخر من الحديث نفسه في*درس آخر - ربما في سنة دراسية مختلفة! ومعرفتك للحديث أنه واحد يجعلك تدرك الترابط*بين مواضيع الحديث كلها. -*******مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم "قال الله: كل عمل ابن*آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم*فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد*بيده، لَخلوف في الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا*أفطر فرح، وإذا لقي ربّه فرح بصومه" متفق عليه. .******قراءتك لعنوان الباب، ومن*بعده عدة أحاديث.. بالتدقيق والاهتمام فيها تنمي فيك ملكة "الاستنباط"! فلربما مررت*بحديث لم تعرف وجه دلالته على الباب؛ فتتفكر أو تبحث حتى تصل للوجه! ولربما تعرف*حديثا ما، لكن ذكره تحت باب محدد لم يسبق أن خطر لك على بال! فتعرف بذلك دقة علماء*الحديث في استنباطاتهم. -******مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين كانوا*يتفرقون إذا نزلوا منزلا أثناء المعارك "إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية، إنما*ذلكم من الشيطان" تحت باب: (تنظيم المعسكر وفضل الحراسة(. .******مع طول الملازمة لجو مجالس الحديث - داخل كتاب تقرؤه - سترى أنك قد*تخطر عليك فائدة (منهجية - تربوية - إيمانية) في حديث لربما تعرفه منذ الصّغر! وما*كنت لتستلهم هذا - بعد توفيق الله - دون ذاك الجو الإيماني، الذي نشأ من طول*الملازمة. -******مثاله: حديث الأعرابي الذي بال في المسجد.. قال فيه صلى الله عليه*وسلم: "دعوه، وهريقوا على بوله سجلا من ماء..." فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم*يبادر لعلاج المشكلة بدلا من النهر واللوم. .******حين تنتهي من كتاب من كتب*السنة النبوية، ستدرك قدر "الحِكم" التي ظللت تبحث عنها في كتب الدنيا، وقد كانت من*تراثك، وبين أرففك. -*******مثاله: حديث "أحبِب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك*يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما" رواه الترمذي. وحديث: "مَن أُعطي عطاءً، فوجد فليجزِ به، فإن لم يجد فليُثنِ به، فمَن أثنى به فقد شكره،*ومَن كتمه فقد كفره" حديث حسن، رواه أبو داود والترمذي. هذا بالإضافة لمعرفة شيء من تفسير آيات القرآن الكريم وأسباب النزول،*وبعض أحداث السيرة النبوية وأبطالها.. وبعد، فهذه بعض الفوائد التي*جنيتها من قراءة كتاب في السنة (كتاب: معالم السنة النبوية / جمع: الشيخ صالح*الشامي) الذي جمع في طيّاته (3921) حديثا - منها الموقوف. فهذه رسالتي من بعد رحلتي في المعالِم.. فدونك أيها المُحب لرسول الله*صلى الله سنّته؛ فانهل منها فإنها وحي*{وما ينطق عن الهوى * إنْ*هو إلا وَحيٌ يُوحى}. اسأل الله تعالى أن يعلمنا ما*ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علما. والله*الموفق.