ما زلنا في موضوع بناء "الكاريزما"، التي نعيد ونكرر فنقول إنها لا تولد مع الإنسان، بل هو من يصنعها إذا رغب فيها، كما أنها ليست حكرا على شخصية بعينها أو ظروف بذاتها، بل تعتمد اعتمادا كليا على رغبة الفرد في اكتسابها. وقد ذكرت أن هناك سبع خطوات لبناء "الكاريزما"، ذكرها وليام كوهين صاحب كتاب "فن القيادة". ناقشت من قبل ثلاث خطوات، الأولى "إظهار الأهداف أمام الناس"، والثانية "ارتد ما يتناسب مع دورك كقائد"، والخطوة الثالثة "لتكن أحلامك كبيرة"، بمعنى أنك إذا كنت تريد أن تبني لك "كاريزما"، فيجب أن تظهر لأتباعك عظمة أحلامك وبعد طموحات وقوة أهدافك. وفي هذا المقال أريد أن أناقش الخطوة الرابعة والخطوة الخامسة، الشرط الرابع، وستبقى لنا خطوتان لاستكمال بناء "الكاريزما" لعلنا نناقشها في مقال الأسبوع المقبل - إن شاء الله. الخطوة الرابعة تنص على ما يلي: "لا تتوقف عن السعي وراء أهدافك". ذكرت في مقال الأسبوع الماضي أن الشرط الثالث لبناء "الكاريزما" يتمثل في "وضع أهداف جسورة تتسم بالمخاطرة"، وبينت كيف أن وليام آلان رئيس شركة بوينج قد بنى له "كاريزما" عن طريق إعلانه عن سلسلة من الأهداف الجسورة، أبرزها صناعة "بوينج 747" التي تقطع المحيط الأطلسي ما بين نيويورك ولندن في ست ساعات، وقد كان هذا هدفا مستحيلا في ستينيات القرن الماضي. ولكن تحديد أهداف عظيمة وأحلام باهرة لا يكون لها معنى إذا لم تكن هناك جدية في تحقيقها ونية صادقة في إنجازها. فلا يكفي وضع هدف أو مجموعة أهداف عظيمة دون السعي وراء تحقيقها، فعمل كهذا لن ينطلي على الأتباع، وسينتظرون من القائد توجيه الدفة لتحقيق ما أعلن عنه من أهداف. يجب أن يعلم القائد أن جميع من في المنظمة لن يتحركوا خطوة واحدة إلى الأمام ولن يأخذوا الموضوع بجدية قبل أن يروا قائدهم يتجه بحماس نحو الهدف بالقيام بعمل فعلي نحو تحقيقه. تحرك القائد نحو الهدف الجسور يفعل فعل السحر على المرؤوسين وستطرب بذلك أفئدتهم وتشحن نفوسهم وأجسادهم بالحماس لدرجة أنهم إذا كانوا على مقربة منه فلن يحتاجوا إلى مساعدة قائدهم، بل سيحققونه ولو خذلهم. عندما تتحقق معجزة الهدف الجسور سينقسم من حولك إلى قسمين، المرجفون يتساءلون "كيف فعلت ذلك"؟ أما من استهوت نفوسهم الأهداف الجسورة فيقولون "ألم نقل لكم إن لدينا قائدا ملهما"، وكلا الفريقين سيتأثران بشخصيتك وسينظران لك بإعجاب، وستبني لك "كاريزما" في نظرهما. الشرط الرابع "قم بواجباتك كقائد"، وهذا يعني أن تقوم بما يجب عليك القيام به، كممارسة فعالة لعمل قيادي، وهذا لن يتأتى إلا بالتدريب والتمرين. فالقيادة تحتاج إلى تمكين ومن ثم إلى تمرين وتدريب مثلها مثل أي عمل آخر كممارسة الجمباز، أو القراءة السريعة، أو قيادة المركبة أو أي عمل آخر يحتاج إلى تمرين وتدريب. عندما ترى قائد المركبة يسير بسيارته على إطارين قد تتعجب من ذلك وترى أنه يقوم بعمل أسطوري خارق، لكن كل ما في الأمر أنه تدرب على هذا العمل حتى أصبح يؤديه بشيء من الحرفية، وقد تظن أنه قام بمعجزة كونية أو أنه يعمل ضد مبادئ الكون، لكن هذا غير صحيح، فيمكنك أن تعمل مثله وتقود سيارتك على إطارين إذا تمكنت من التدريب والتمرين على ذلك. وينطبق هذا أيضا على أبطال المظلات الذين يقومون بالقفز بالمظلة من على بعد آلاف الأقدام من سطح الأرض، نرى ما يقومون به عملا جبارا، لكن كل ما في الأمر تدريب، وبذلك فالكل يصبح قادرا على فعل هذا، بل قد يصبح هواية ممتعة. التدريب والتمرين ليس فقط سر انبهار الناس بك وبما تقوم به، بل إنه سر العبقرية. يقول بابلو سارات - عازف الكمان والملحن الإسباني الشهير "لقد ظللت أتدرب لمدة 14 ساعة يوميا لمدة ال 37 عاما الماضية والآن يقولون إنني عبقري"؟ فهو يتساءل أين تكمن العبقرية؟ فأي فرد يعزف 14 ساعة لمدة 37 عاما سيكون عازفا بارعا لا محالة. ويقول توماس إديسون "العبقرية عبارة عن 1 في المائة إلهام و99 في المائة عرق وجهد". والشيء نفسه ينطبق على القائد الذي يرغب في أن يبني له "كاريزما"، عليه إذا تمكن من عمل قيادي أن يتدرب عليه وينمي مواهبه القيادية ويخرج كل ما عنده حتى يصل إلى مرحلة أن من يشاهده يتعجب من قدرته على قيادة المنظمة، وتحمل التبعيات، وحل المشكلات، وإبرام الاتفاقيات. يرون أنه يقوم بعمل قيادي خارق دون مجهود واضح، بينما كل ما في الأمر تدريب على العمل القيادي بضع ساعات يوميا حتى أكسبه هذا نوعا من المهارة القيادية والعقلية المستنيرة وقدرة على قراءة الأحداث والتنبؤ بالمستجدات. بقيت لدينا خطوتان لاستكمال بناء "الكاريزما" لعلنا نناقشهما في مقال الأسبوع المقبل - إن شاء الله.