الحملة الشعبية لإغاثة الفلسطينيين تصل 702,165,745 ريالًا    حرمان قاصر وجه إهانات عنصرية إلى فينيسيوس من دخول الملاعب لمدة عام    الأهلي يتغلب على الوحدة بهدف محرز في دوري روشن للمحترفين    أرتيتا : أرسنال بحاجة لأن يكون أقرب إلى المثالية للتفوق على ليفربول    «سلمان للإغاثة» يختتم المشروع الطبي التطوعي للجراحات المتخصصة والجراحة العامة للأطفال في سقطرى    6 مراحل تاريخية مهمة أسست ل«قطار الرياض».. تعرف عليها    النصر يتغلّب على ضمك بثنائية في دوري روشن للمحترفين    القادسية يتغلّب على الخليج بهدف قاتل في دوري روشن للمحترفين    المملكة تفوز بعضوية الهيئة الاستشارية الدولية المعنية بمرونة الكابلات البحرية    محرز يهدي الأهلي فوزاً على الوحدة في دوري روشن    الحمزي مديرًا للإعلام بإمارة جازان وسها دغريري مديرًا للاتصال المؤسسي    نعيم قاسم: حققنا «نصراً إلهياً» أكبر من انتصارنا في 2006    النصر يكسب ضمك بثنائية رونالدو ويخسر سيماكان    الجيش السوري يستعيد السيطرة على مواقع بريفي حلب وإدلب    "مكافحة المخدرات" تضبط أكثر من (2.4) مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدر بمنطقة الرياض    ابن مشيعل يحصل على درجة الدكتوراة    السعودية تتسلّم مواطنًا مطلوبًا دوليًا في قضايا فساد مالي وإداري من روسيا الاتحادية    خطيب المسجد النبوي: السجود ملجأ إلى الله وعلاج للقلوب وتفريج للهموم    والد الأديب سهم الدعجاني في ذمة الله    «الأونروا»: أعنف قصف على غزة منذ الحرب العالمية الثانية    الشؤون الإسلامية تطلق الدورة التأهلية لمنسوبي المساجد    وكيل إمارة جازان للشؤون الأمنية يفتتح البرنامج الدعوي "المخدرات عدو التنمية"    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    المياه الوطنية و sirar by stcيتفقان على تعزيز شبكة التكنولوجيا التشغيلية في البنية التحتية لقطاع المياه    وزارة الرياضة تُعلن تفاصيل النسخة السادسة من رالي داكار السعودية 2025    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    تعزيز حماية المستهلك    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    بالله نحسدك على ايش؟!    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الكاريزما وصناعتها وأطوارها وتوابعها الأيديولوجية
نشر في الحياة يوم 28 - 11 - 2010

جعل ماكس فيبر من الزعامة الكاريزمية التي قد يتحلى بها النبي أو الزعيم الملهم شكلاً للشرعية في نموذج ثلاثي إلى جانب الشرعية التقليدية القائمة على مراتب مقررة ومكرسة ثقافياً، والشرعية العقلانية القانونية المميزة للدولة القومية الحديثة في الغرب.
جرى تداول مفهوم الكاريزما على نطاق واسع بعد فيبر، وصار من مفردات الكلام الدارج. وانتقلت الكلمة من نطاق الاجتماع السياسي إلى نطاقات متنوعة لتطلق على فنانين أو إعلاميين أو رجال إدارة، أو على معارف المرء وأصحابه. لقد نزلت الكاريزما من السماء إلى الأرض إن جاز التعبير، فتدمقرطت وابتُذلت، ولم تعد"هبة لدُنّية"أو سحراً شخصياً يولد مع المرء. وفي عالم جرى"نزع السحر عن وجهه"، تحولت الكاريزما إلى صناعة، لها خبراؤها واختصاصيوها ومؤسساتها. وقد أخذت الحكومات ووسائل الإعلام وأجهزة العلاقات العامة في الغرب، ولدينا بمقدار، تصنع الكاريزما بالجملة. في طور أول تلى الحرب العالمية الثانية جرى ذلك وفق نماذج يفترض أنها أصلية أكثر من غيرها: الممثل الشهير كلارك غيبل مثلاً أو الممثلة السوبر ستار مارلين مونرو أو الرياضي المتوّج أو الرجل الواسع الثراء. في طور لاحق، مزامن للعولمة وثورة وسائل الاتصال وانهيار الشيوعية في مطلع العقد الأخير من القرن العشرين اتسعت صناعة الكاريزما أكثر. أخذت تشتغل وفق الطلب، ومن دون نماذج أصلية، ومن دون إنتاج بالجملة. تصطنع لكل كاريزماه الطبيعية، بل طبيعته الكاريزمية. وصناعة الطبيعة هذه ما بعد حداثية، وأرستقراطية. ما بعد حداثية لأن من السمات الجوهرية لهذه صنع الطبيعة أو إنتاج طبيعة مناسبة لمن يرغب و... يقدر، من طبيعته الخاصة إلى المحيط الطبيعي الذي يحب العيش فيه. وأرستقراطية لأنها باهظة الكلفة ولا تتاح لغير أقليات ممتازة.
بموازاة ذلك عرفت بلداننا صناعة كاريزما مرت بطورين وإن ظلت أضيق نطاقاً. في طور أول اختص بهذه الصناعة زعماء الدول الممتازون وحدهم، ثم توسع نطاقها بعض الشيء لتشمل في طور لاحق البورجوازية الجديدة التي تكونت في أكنافهم. وقد جرى ذلك في وقت متأخر قليلاً عن العولمة وثورة الاتصالات وانهيار الشيوعية.
تولت كاريزما الزعيم وسائل الإعلام بخاصة، لكن أيضاً منظمات جماهيرية متنوعة وأجهزة أمنية. وسخر من أجلها المال والقوة والولاء. ومن شخص لا ميزة له عموماً حصلنا على بطل عبقري تاريخي استثنائي لا مثيل له. والرجل هو رجل... طبعاً هو المنتَج الوحيد لصناعة الكاريزما التي يجب أن تسخّر كل أجهزتها ومعاملها لتأكيد وحدانيته وفرادته وتعاليه، وفي الوقت نفسه أن تغرس في أذهان جميع الرعايا أن عبقرية الزعيم طبيعية مبرأة من كل شائبة صنعية، وأنه كان فذاً منذ طفولته. لا تكف هذه الصناعة عن إنتاج هذا الكائن الخارق، وعن تأكيد أنه غير مصنوع وغير مخلوق،"علة ذاته". لا يدين لأحد وكل شيء يدين له. لا ريب في أن نموذج السيادة"الإلهية"هو النموذج الأصلي للقادة الكاريزميين في إطارنا الثقافي العربي والإسلامي.
ما تأثير هذا في الشرعية؟ الشرعية هنا تقوم على الخارق والاستثنائي لا على القاعدة والقانون المطرد. على المعجزة لا على مجرى العادة المستقر. الحاكم جدير بالحكم وحده لأنه، وحده، عبقري فذ وخارق.
لدينا هنا شرعية مضادة للقانون تكوينياً. المزيد منها يعني المزيد من تدمير القانون، مبدأ وممارسة ومؤسسة. القائد وكل ما يخصه لا ينضبط بقانون من أي نوع. هو القانون.
كاريزما القائد لا تقبل التعميم. لا يسع أحداً أن يحاكيه إلا من هو هو، أو بضعة منه.
نريد القول إن السلالية هي تطور مرجح جداً للشرعية الخارقة للقانون. وإنه كما لا نحصل من الشوك على العنب، لا نحصل من الحكم السلالي على الدولة الوطنية وشرعيتها القانونية.
في طور لاحق، عمره بالكاد يتجاوز مطلع هذا القرن توسعت قاعدة صناعة الكاريزما. ظلت الزعامة السياسية لا شريك لها. لكن ظهر أناس لهم رؤوس مستقلة ذاتياً وشخصيات تخصهم. وهذا بخاصة في مجال المال، وبدرجة أقل في مجالات اجتماعية أخرى فنية، دينية، إعلامية، ثقافية،.... للأمر صلة وثيقة بتحولات اقتصادية، يتمثل جوهرها في تكون طبقة مثرية جديدة من"حبايب"المركز الكاريزمي الواحد و"قرايبه".
هذه طبقة ممتازة، جنت ثرواتها بالحب والقرب، وبالاستثناء والامتياز، لا بالقاعدة والانضباط. لقد خلق الاستثناء طبقة استثنائية، طبقة"أشراف"أو أرستقراطية جديدة، لا يقبل نموذجها التعميم. وشرعية هذه الطبقة تقوم على الامتياز أو الكاريزما الجمعية.أي أيضاً على الفرادة والاستثناء والخصوصية، وما تضمنه من حصانة ومن سيادة على القانون. والكاريزما هذه مصنوعة بدورها، وتشرف على صناعتها وسائل حكم وإعلام ووسائل دينية.
ولعله قد يمكن النظر إلى كاريزما الواحد الممتاز كاستثناء تأسيسي لكاريزما قلة ممتازة، يحوز الواحد المستمر فيها موقع ممتاز الممتازين، لكن له شركاء نافذين، أحراراً نسبياً. أما عامة السكان فهم رعايا محرومون من الحرية.
بموازاة طوري صناعة الكاريزما، كاريزما الواحد ثم كاريزما القلة، ثمة تغير في المناخات الإيديولوجية. في المرحلة الأولى ثمة عقائد التقدم أو الطليعية: عقيدتنا المتفوقة والنظرية العلمية الوحيدة والحزب القائد الأوحد وما شابه. الواحد هو الصحيح. الجزء ليس صحيحاً، ومثله الكثرة غير صحيحة. الكاريزما هنا للعقيدة الوحيدة الصحيحة. والتاريخ كفيل بانتصارها على غيرها.
في المرحلة التالية لدينا عقائد الامتياز الماهوية أو الثقافوية. وعلى نحو ما هيأت الزعامة الخارقة للحكم السلالي، هيأت العقيدة الوحيدة الصحيحة الأذهان للعقيدة الممتازة. وامتياز هذه نوعي وجوهري، خاصية وراثية مكنونة في اسمها وتحملها معها أينما ذهبت، وكيفما عملت، وليس علاقة أو فعلاً. ومقابلها ثمة عقائد فاسدة جوهرياً ووراثياً أيضاً، وفسادها يسكن في اسمها أيضاً وليس في فعلها. وهناك أناس ممتازون ومختارون، وآخرون فاسدون جوهرياً وملعونون. ليس للتاريخ كملحمة تقدم عام شغل هنا. بدلاً منه ثمة دراما كونية، لا يستغني الأخيار فيها عن الأشرار، وإن زال هؤلاء فلا يبقى شيء من أولئك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.