محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعزز أعمالها البيئية بانضمام 66 مفتشًا ومفتشة    أمير المنطقة الشرقية يستقبل المهنئين بشهر رمضان    أمانة المدينة تعزز خدماتها الرمضانية لخدمة الأهالي والزوار    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 20 فلسطينيًا من الضفة الغربية    طلاب جمعية مكنون يحققون إنجازات مبهرة في مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم    1.637 تريليون ريال إيرادات ⁧‫أرامكو بنهاية 2024 بتراجع طفيف مقارنةً ب2023    القمة العربية الطارئة بالقاهرة تبحث اليوم إعمار غزة دون تهجير    أكبر عذاب تعيشه الأجيال ان يحكمهم الموتى    بالأرقام.. غياب رونالدو أزمة مستمرة في النصر    من الرياض.. جوزيف عون يعلن التزامه باتفاق الطائف وسيادة الدولة    الإيمان الرحماني مقابل الفقهي    موعد مباراة الأهلي والريان في دوري أبطال آسيا للنخبة    تراجع أسعار الذهب إلى 2892.00 دولارًا للأوقية    في بيان مشترك..السعودية ولبنان تؤكدان أهمية تعزيز العمل العربي وتنسيق المواقف تجاه القضايا المهمة    أبٌ يتنازل عن قاتل ابنه بعد دفنه    تاسي: 339.1 مليار ريال استثمارات الأجانب    وزير الدفاع يبحث مع نائب رئيس الوزراء السلوفاكي علاقات البلدين في المجال الدفاعي    قدموا للسلام على سموه وتهنئته بحلول شهر رمضان.. ولي العهد يستقبل المفتي والأمراء والعلماء والوزراء والمواطنين    في ذهاب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.. أتلتيكو مدريد لإنهاء عقدة الجار.. وأرسنال لتعويض خيبته المحلية    تعليق الدراسة وتحويلها عن بعد في عددٍ من مناطق المملكة    فيض من عطاء في بلد العطاء    ترامب يبحث ملف المساعدات.. وروسيا تشدد مواقفها.. مساع أوكرانية – أوروبية لإصلاح العلاقات مع أمريكا    مهرجان "سماء العلا" يستلهم روح المسافرين في الصحاري    مشروع الأمير محمد بن سلمان يطور مسجدًا تاريخياً عمره 100 عام    منعطف إجباري    عقوبات ضد الشاحنات الأجنبية المستخدمة في نقل البضائع داخلياً    غزارة الدورة الشهرية.. العلاج (2)    نائب أمير منطقة مكة يطّلع على الخطط المستقبلية للمديرية العامة للسجون    تعليم الطائف ينشر ثقافة الظواهر الجوية في المجتمع المدرسي والتعليمي    ليالي الحاده الرمضانية 2 تنطلق بالشراكة مع القطاع الخاص    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بشهر رمضان    نائب أمير منطقة مكة يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    نائب أمير منطقة مكة يستقبل مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة    قطاع ومستشفى تنومة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للزواج الصحي"    والدة الزميل محمد مانع في ذمة الله    أمير القصيم يرفع الشكر للقيادة على إعتماد تنفيذ مشروع خط أنابيب نقل المياه المستقل (الجبيل – بريدة)    جمعية «أدبي الطائف» تعقد أول اجتماع لمجلسها الجديد    ياسر جلال ل «عكاظ»: أنا معجب بمقالب شقيقي «رامز»    نائب وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية    محمد بن علي زرقان الغامدي.. وجه حي في ذاكرة «عكاظ»    الشلهوب يُرزق بشيخة    حرس الحدود ينقذ (12) شخصًا بعد جنوح واسطتهم البحرية على منطقة صخرية    لهذا لن تكشف الحقائق الخفية    محافظ الخرج يشارك رجال الأمن وجبة الإفطار في الميدان    "حديث السّحر" ماشفت ، ماسويت ، ماقلت ، مدري    توصيل الإنترنت عبر الضوء    خديجة    وزارة الشؤون الإسلامية تنظم مآدب إفطار رمضانية في نيبال ل 12500 صائم    استخبارات الحوثي قمع وابتزاز وتصفية قيادات    «الغذاء والدواء»: 1,450,000 ريال غرامة على مصنع مستحضرات صيدلانية وإحالته للنيابة    المشي في رمضان حرق للدهون وتصدٍ لأمراض القلب    تأثيرات إيجابية للصيام على الصحة النفسية    أطعمة تكافح الإصابة بمرض السكري    قال «معارض سعودي» قال !    6 مجالات للتبرع ضمن المحسن الصغير    النصر يتعادل سلبيا مع الاستقلال في غياب رونالدو    الدوري أهلاوي    التسامح...    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الكاريزما وصناعتها وأطوارها وتوابعها الأيديولوجية
نشر في الحياة يوم 28 - 11 - 2010

جعل ماكس فيبر من الزعامة الكاريزمية التي قد يتحلى بها النبي أو الزعيم الملهم شكلاً للشرعية في نموذج ثلاثي إلى جانب الشرعية التقليدية القائمة على مراتب مقررة ومكرسة ثقافياً، والشرعية العقلانية القانونية المميزة للدولة القومية الحديثة في الغرب.
جرى تداول مفهوم الكاريزما على نطاق واسع بعد فيبر، وصار من مفردات الكلام الدارج. وانتقلت الكلمة من نطاق الاجتماع السياسي إلى نطاقات متنوعة لتطلق على فنانين أو إعلاميين أو رجال إدارة، أو على معارف المرء وأصحابه. لقد نزلت الكاريزما من السماء إلى الأرض إن جاز التعبير، فتدمقرطت وابتُذلت، ولم تعد «هبة لدُنّية» أو سحراً شخصياً يولد مع المرء. وفي عالم جرى «نزع السحر عن وجهه»، تحولت الكاريزما إلى صناعة، لها خبراؤها واختصاصيوها ومؤسساتها. وقد أخذت الحكومات ووسائل الإعلام وأجهزة العلاقات العامة في الغرب، ولدينا بمقدار، تصنع الكاريزما بالجملة. في طور أول تلى الحرب العالمية الثانية جرى ذلك وفق نماذج يفترض أنها أصلية أكثر من غيرها: الممثل الشهير (كلارك غيبل مثلاً) أو الممثلة السوبر ستار (مارلين مونرو) أو الرياضي المتوّج أو الرجل الواسع الثراء. في طور لاحق، مزامن للعولمة وثورة وسائل الاتصال وانهيار الشيوعية في مطلع العقد الأخير من القرن العشرين اتسعت صناعة الكاريزما أكثر. أخذت تشتغل وفق الطلب، ومن دون نماذج أصلية، ومن دون إنتاج بالجملة. تصطنع لكل كاريزماه الطبيعية، بل طبيعته الكاريزمية. وصناعة الطبيعة هذه ما بعد حداثية، وأرستقراطية. ما بعد حداثية لأن من السمات الجوهرية لهذه صنع الطبيعة أو إنتاج طبيعة مناسبة لمن يرغب و... يقدر، من طبيعته الخاصة إلى المحيط الطبيعي الذي يحب العيش فيه. وأرستقراطية لأنها باهظة الكلفة ولا تتاح لغير أقليات ممتازة.
بموازاة ذلك عرفت بلداننا صناعة كاريزما مرت بطورين وإن ظلت أضيق نطاقاً. في طور أول اختص بهذه الصناعة زعماء الدول الممتازون وحدهم، ثم توسع نطاقها بعض الشيء لتشمل في طور لاحق البورجوازية الجديدة التي تكونت في أكنافهم. وقد جرى ذلك في وقت متأخر قليلاً عن العولمة وثورة الاتصالات وانهيار الشيوعية.
تولت كاريزما الزعيم وسائل الإعلام بخاصة، لكن أيضاً منظمات جماهيرية متنوعة وأجهزة أمنية. وسخر من أجلها المال والقوة والولاء. ومن شخص لا ميزة له عموماً حصلنا على بطل عبقري تاريخي استثنائي لا مثيل له. والرجل (هو رجل... طبعاً) هو المنتَج الوحيد لصناعة الكاريزما التي يجب أن تسخّر كل أجهزتها ومعاملها لتأكيد وحدانيته وفرادته وتعاليه، وفي الوقت نفسه أن تغرس في أذهان جميع الرعايا أن عبقرية الزعيم طبيعية مبرأة من كل شائبة صنعية، وأنه كان فذاً منذ طفولته. لا تكف هذه الصناعة عن إنتاج هذا الكائن الخارق، وعن تأكيد أنه غير مصنوع وغير مخلوق، «علة ذاته». لا يدين لأحد وكل شيء يدين له. لا ريب في أن نموذج السيادة «الإلهية» هو النموذج الأصلي للقادة الكاريزميين في إطارنا الثقافي العربي والإسلامي.
ما تأثير هذا في الشرعية؟ الشرعية هنا تقوم على الخارق والاستثنائي لا على القاعدة والقانون المطرد. على المعجزة لا على مجرى العادة المستقر. الحاكم جدير بالحكم وحده لأنه، وحده، عبقري فذ وخارق.
لدينا هنا شرعية مضادة للقانون تكوينياً. المزيد منها يعني المزيد من تدمير القانون، مبدأ وممارسة ومؤسسة. القائد وكل ما يخصه لا ينضبط بقانون من أي نوع. هو القانون.
كاريزما القائد لا تقبل التعميم. لا يسع أحداً أن يحاكيه إلا من هو هو، أو بضعة منه.
نريد القول إن السلالية هي تطور مرجح جداً للشرعية الخارقة للقانون. وإنه كما لا نحصل من الشوك على العنب، لا نحصل من الحكم السلالي على الدولة الوطنية وشرعيتها القانونية.
في طور لاحق، عمره بالكاد يتجاوز مطلع هذا القرن توسعت قاعدة صناعة الكاريزما. ظلت الزعامة السياسية لا شريك لها. لكن ظهر أناس لهم رؤوس مستقلة ذاتياً وشخصيات تخصهم. وهذا بخاصة في مجال المال، وبدرجة أقل في مجالات اجتماعية أخرى (فنية، دينية، إعلامية، ثقافية،...). للأمر صلة وثيقة بتحولات اقتصادية، يتمثل جوهرها في تكون طبقة مثرية جديدة من «حبايب» المركز الكاريزمي الواحد و«قرايبه».
هذه طبقة ممتازة، جنت ثرواتها بالحب والقرب، وبالاستثناء والامتياز، لا بالقاعدة والانضباط. لقد خلق الاستثناء طبقة استثنائية، طبقة «أشراف» أو أرستقراطية جديدة، لا يقبل نموذجها التعميم. وشرعية هذه الطبقة تقوم على الامتياز أو الكاريزما الجمعية.أي أيضاً على الفرادة والاستثناء والخصوصية، وما تضمنه من حصانة ومن سيادة على القانون. والكاريزما هذه مصنوعة بدورها، وتشرف على صناعتها وسائل حكم وإعلام ووسائل دينية.
ولعله قد يمكن النظر إلى كاريزما الواحد الممتاز كاستثناء تأسيسي لكاريزما قلة ممتازة، يحوز الواحد المستمر فيها موقع ممتاز الممتازين، لكن له شركاء نافذين، أحراراً نسبياً. أما عامة السكان فهم رعايا محرومون من الحرية.
بموازاة طوري صناعة الكاريزما، كاريزما الواحد ثم كاريزما القلة، ثمة تغير في المناخات الإيديولوجية. في المرحلة الأولى ثمة عقائد التقدم أو الطليعية: عقيدتنا المتفوقة والنظرية العلمية الوحيدة والحزب القائد الأوحد وما شابه. الواحد هو الصحيح. الجزء ليس صحيحاً، ومثله الكثرة غير صحيحة. الكاريزما هنا للعقيدة الوحيدة الصحيحة. والتاريخ كفيل بانتصارها على غيرها.
في المرحلة التالية لدينا عقائد الامتياز الماهوية أو الثقافوية. وعلى نحو ما هيأت الزعامة الخارقة للحكم السلالي، هيأت العقيدة الوحيدة الصحيحة الأذهان للعقيدة الممتازة. وامتياز هذه نوعي وجوهري، خاصية وراثية مكنونة في اسمها وتحملها معها أينما ذهبت، وكيفما عملت، وليس علاقة أو فعلاً. ومقابلها ثمة عقائد فاسدة جوهرياً ووراثياً أيضاً، وفسادها يسكن في اسمها أيضاً وليس في فعلها. وهناك أناس ممتازون ومختارون، وآخرون فاسدون جوهرياً وملعونون. ليس للتاريخ كملحمة تقدم عام شغل هنا. بدلاً منه ثمة دراما كونية، لا يستغني الأخيار فيها عن الأشرار، وإن زال هؤلاء فلا يبقى شيء من أولئك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.