ذلك القريب أو الزميل الذي تتعامل معه في حياتك اليومية، وقد انكمش على نفسه، وتمركز حول ذاته؛ بنظرات سلبية ، وتصورات سوداوية، إذ يتألم من سماع كلمة صغيرة، ويتوجع من عبارة بسيطة، حتى وإن ألقيت على سبيل المزاح، أو من أجل الدعابة، فهو يعطي الأمور وضعاً كبيراً، وصدى مقيتاً. تجد أن الشخص الحساس يضخم الأشياء وإن كانت بسيطة، ويفسر الألفاظ بتفسيرات خاطئة، فهو يحلل النظرة ، ويفسر الحركة بطريقة متضخمة فيها مبالغة، حيث يعد الخطأ نحوه اعتداء عليه، وتحقير لذاته، وإهانة لكرامته، فيعمد إلى الانتقام بعنف لفظي ،أو هجوم بدني، وقد ينسحب من الموقف، ويكون صعب الحوار والتفاهم ، ولا يقبل أمامه بالرأي المعارض ، ولا القول المخالف. كما يعتقد هذا الشخص أنّ الجميع يراقبون تحرّكاته، وتصيدون زلاته، ويبالغون في متابعته، ولومه وانتقاده، فهو عميق الحساسية، يأخذ الأمور بجدية، وردّات فعل قوية، ولذلك تراه متحفظاً في كلامه ، ومتوقفاً عن التفاعل مع غيره، وأغلب علاقاته الاجتماعية سطحية شكلية، غير متينة ولا وثيقة، حيث يتأثر سريعاً بالمواقف والأحداث بصورة كبيرة ، ودرجة عظيمة، فيتألم ويتوجع، ويسخط ويثور، ويرفع الصوت، ولا يعطي الموقف نصابه الصحيح من الفهم العميق، والتفكير الرصين. وعلى الرغم من وجود صفات سلبية في هذه الشخص، كالجمود والصرامة، والعناد والمكابرة، إلا أن فيه سمات طيبة، وخصال جميلة؛ مثل قوة الملاحظة، وسرعة البديهة، والتفكير بروية، وإتقان الأعمال ، والسعي لامتلاك الكمال، والاهتمام باكتساب المثالية، والتعامل بأدب جم ، وذوق رفيع مع الآخرين. وحتى نعرف مسببات هذا الشخص؛ نجد أنه تشكل في أسرة مدللة مترفة، أكسبته رهافة الحس العالي، ورقة الشعور ، مما جعل شخصيته هشة رقيقة، شفافة ضعيفة، ليعمل في مسيرة حياته على تغذيتها بأفكار سلبية، وأوهام سخيفة، تجعله ينزل ذبذباتها على كل المواقف والأحداث، ويحول الإشارات الدقيقة والمتناقضة في عقله الباطن إلى كدر قائم، وألم دائم، يقع على نفسه، وعلى المتعاملين معه. لهذا ينبغي الخلاص العاجل من الحساسية المفرطة؛ بأن يحرص المبتلى بها على ضبط نفسه، وبرمجة عقله نحو التغافل عن أخطاء غيره، فالخطأ طبيعة إنسانية، لا يسلم منه أي إنسان، كما يتحتم عليه أن يقدم إحسان الظن بالآخرين؛ حتى يسلم من أذى الخواطر المقلقة، والأفكار المؤلمة؛ التي تؤذي النفس، وتكدر البال، مع عناية والتزام بقيم العفو والتسامح، والنبل والتصافح، والتي هي من شيم الأقوياء، وخلُق الكرماء، (فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين). ومما يجدر فعله أمام كل شخص حساس؛ ألا نستهين بأحاسيسه، وألا نستخف بمشاعره، بل نعمل على مُسَايَرته في فكرته، ومُجَارَاته في حالته، حتى تهدأ نفسه، وتخمد خواطره، ثم نظهر له المكاشفة الهادئة، ونقدم له المصارحة الصادقة؛ التي تبين الحق وشواهده، وتوضح الباطل ونتائجه ، ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾. د.عبدالله سافر الغامدي جده.