الاثنين, 26 أكتوبر 2009 م. عبد الله يحيى المعلمي سلوى المؤيد سيدة هادئة وديعة.. يكاد لا يسمع لها صوت، ولكن كلماتها المختنقة بالألم كانت تدوي كالرعد في ردهات إحدى ندوات الحوار الوطني التي عقدت مؤخراً في مدينة ينبع عن الرعاية الطبية في بلادنا، وهي تتساءل مرة تلو أخرى.. من المسؤول؟ من المسؤول؟. قبل أحد عشر عاماً تعرض الشاب مهند الحجار الى إصابات خطيرة نتيجة حادث سيارة.. تقول والدة مهند، السيدة سلوى المؤيد، إن ابنها قد أمضى عدة ساعات بعد الحادث وهو يتنقل بين غرف الطوارئ في عدد من مستشفيات الرياض الكبرى، وكانت هذه المستشفيات تسعى إلى تجنب استقباله إما لأن حالته كانت أصعب من قدرات بعضها أو لأن البعض الآخر لم يرد أن «يتورط» في حالة كان واضحاً أنها سوف تتطلب وقتاً وجهداً كبيرين، واحتج أحد المستشفيات بعدم وجود سرير في العناية المركزة واحتج آخر بأن المصاب ليس ممن يشملهم العلاج في ذلك المستشفى.. ساعات ثمينة كان يمكن أن تصنع فرقاً هائلاً في حياة مهند اللاحقة ضاعت في محاولة إيجاد الجهة التي تقبل علاج الحالة والتصدي لها.. تقول السيدة سلوى إن الأطباء في الولاياتالمتحدة أخبروها بأن فقدان مهند للإبصار في إحدى عينيه كان يمكن أن يستدرك بإذن الله تعالى لو أن مركزاً متخصصاً لاستقبال الحوادث قد تولى استقبال الحالة وعلاجها والتدخل جراحياً في الساعات الأولى .. وتتساءل بحرقة من المسؤول؟ .. من المسؤول عن مثل هذا التلكك في استقبال الحالات الطارئة إذا شعر المستشفى أهلياً كان أم حكومياً أن تلك الحالة يمكن أن تتحول إلى «ورطة» بالنسبة له؟ ومن المسئول عن عدم وجود المراكز المتخصصة في علاج الحالات الطارئة والتي تعرف في الولاياتالمتحدة باسم «مراكز التروما»؟؟.. من المسؤول؟!. أمضى مهند في المستشفى الذي انتهى المطاف به إلى العلاج فيه بضعة أشهر كان خلال الثلاثة الأولى منها في غيبوبة كاملة، وتقول والدة مهند إن الأطباء في أمريكا قد أخبروها أن أولى مهام مراكز الطوارئ في مثل هذه الحالات هي التأكد من عدم وجود نزيف داخلي في الدماغ والعمل على وضع أنبوب صغير لشفط الدم المتجمع فيه لكي لا يسبب تلفاً للخلايا العصبية وهو إجراء لم يتبعه المستشفى مما أدى إلى إصابة مهند بتلف دائم في بعض تلك الخلايا وفقدانه القدرة على أداء بعض المهام الفكرية والنفسية والعضلية التي تتحكم فيها تلك المنطقة من الدماغ، وتتساءل السيدة سلوى مرة أخرى والدموع تتساقط من عينيها، من المسؤول؟؟ من المسؤول؟!. وتستمر السيدة سلوى في وصف حالة ابنها وما تعرض له من قصور أو إهمال أو جهل أو خطأ أو حتى سوء معاملة حتى أن طبيباً معتبراً قد خاطب والد مهند بجفاء أقرب إلى الوقاحة قائلاً.. إن ابنك مجرد جثة هامدة!!! إلى أن يسر الله لهم أن ينقلوه للعلاج في الولاياتالمتحدة حيث أمضى الأطباء عدة أشهر وهم يحاولون إصلاح ما أفسدته الرعاية القاصرة بل والاستهتار الفاضح في بعض الأحيان، قبل أن ينتقلوا إلى مرحلة إعادة التأهيل والعلاج الطبيعي .. وهنا يبدأ فصل جديد من المعاناة لمهند ووالديه بعد عودتهم إلى الوطن حيث كان ينبغي لهم الاستمرار في تقديم العلاج الطبيعي والتأهيلي المتخصص لابنهم ولكن مستشفيات المملكة تكاد تكون كلها غير مزودة بالوسائل ولا بالأفراد المؤهلين لتقديم هذا النوع من الرعاية على المستوى المنشود، وتعود السيدة سلوى وقد شاركها في ذرف الدموع الصامتة كثير من الحضور، تعود لتتساءل من المسؤول عن هذا النقص؟ من المسؤول؟!. قصة مهند وكفاح والديه من أجل علاجه ومنحه فرصة للحياة الكريمة والانتفاع بشبابه وحيويته لم تنته بعد، والمواقف التي يتموج فيها صوت والدته بالتساؤل الحار .. من المسؤول؟ مازالت كثيرة ومستمرة.. وقبل أن أرفع صوتي مع صوت سلوى للتساؤل عمن المسؤول أود أن أذكر القائمين على أمور الرعاية الصحية في بلادنا بالعبارة الشهيرة التي أطلقها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال.. لو أن شاة عثرت في العراق لخشيت أن يحاسبني الله على أنني لم أمهد لها الطريق!! يا أيها المسؤولون.. إن عشرات الناس يتعثرون كل يوم في رعاية صحية قاصرة، فاتقوا الله فيهم واسعوا وفقكم الله إلى استكمال النقص، ومحاسبة المقصرين والمهملين، ومعاقبة المخطئين، والاهتمام بمن أرادت مشيئة الله سبحانه أن يكون مصيرهم بين أيديكم، ولا تخذلوهم، ولا تجعلوهم يصيحون.. من المسؤول؟؟ من المسؤول؟! .