"حزب الله" اسم يحمل مدلولا عاليا من "الشوفينية" والتزكية للذات. والمنتمون لهذا الحزب ينسبون أنفسهم إلى الذات الإلهية المقدسة، ويعملون وفقها، حسب زعمهم. لذا فهم يملكون "الحق المطلق" دائما في كل القضايا حتى السياسي منها!! عمل “حزب الله” بداية من ثمانينات القرن الماضي مدعوما من إيران، على تكوين خلايا في دول انتشار الأقليات اللبنانية، بدءا من أميركا اللاتينية وحتى الخليج العربي، وتكوين فروع له بعضها زامن إنشاءه، لكن لم يكتب لها الاستمرار في البلدان الخليجية، نظرا لانكشاف نواياها للعلن وتورطها في العديد من الأعمال الإجرامية، مما دفع الحكومات للتصدي لها بشكل حازم. لكن هذه العناصر الإجرامية كانت وما تزال تحركها أياد مشبوهة، بين الفينة والأخرى، ضد دول الخليج العربي، نتيجة الصراع العرقي والطائفي القديم بين ايران ودول العالم العربي، حيث كشفت تحريات دقيقة عن أن هناك مئات العناصر من حزب الله تم تدريبها في إيران أرسلت في الفترة القليلة الماضية الى أربع دول خليجية، لتأسيس خلايا تخريب محلية، وأرسلت إلى الكويت والبحرين والسعودية والإمارات استعدادًا للقيام بعمليات تخريبية تستهدف مصالح أجنبية ومنشآت خليجية حيوية، فما هو حزب الله الخليجي؟! حزب الله الحجاز تعود بدايات حزب الله في السعودية إلى وقت مبكر عقب اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، وما تلاها من دعوات تحريضية من قبل آية الله الخميني لشيعة الخليج والسعودية بوجه خاص، للقيام بثورة مماثلة، وهو الأمر الذي وجد استجابة سريعة من قبل المجموعات الشيعية، فتم تأسيس منظمة الثورة الإسلامية لتحرير الجزيرة العربية برئاسة مرشدها حسن الصفار، قبل أن تتحول في وقت لاحق إلى منظّمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية. وتمحورت أهداف المنظمة في التمهيد لتصدير ثورة الخميني في العالم الإسلامي، من أجل استبدال الحكم السنّي بحكومات شيعية موالية لإيران، إذ ترى المنظّمة أن الأنظمة الخليجية “غير إسلامية” لمخالفتها نظام الإمامة الخميني. وفي عام 1987 ظهر لأول مرة الجناح العسكري لمنظّمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية، تحت مسمى “حزب الله الحجاز”، حيث تم تجنيد مجموعة من الشيعة السعوديين الذين درسوا في مدينة قم الإيرانية بإشراف من ضابط مخابرات إيراني يدعى أحمد شريفي، وتولى الحزب بشكل أساسي عمليات التنسيق والتخطيط مع الحرس الثوري الإيراني من أجل القيام بعمليات التخريب والفتنة والإرهاب أثناء مواسم الحج. وقد أدى الخلاف في ما بعد حول المرجعية السياسية بين “حزب الله الحجاز” ومنظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية إلى التفريق بينهما ليأخذ “حزب الله الحجاز” امتياز العمل العسكري منفردا من دون الرجوع لقيادات المنظمة. وظهرت باكورة الأعمال الإرهابية لحزب الله الحجاز في موسم الحج لعام 1407ه (1987م)، عندما نجح أفراد من “حزب الله الحجاز” بدعم من الحرس الثوري الإيراني في حشد تظاهرة كبيرة تهدف لإثارة الفتنة في بيت الله الحرام والأماكن المقدّسة، نتج عنها تخريب الممتلكات العامة وإشاعة الفوضى وترويع الآمنين في بلد الله الحرام، مما أدى لسقوط العديد من الحجاج قتلى وجرحى. ولم يتوقف الإجرام عند هذا الحد، فقد قام الحزب في العام التالي 1988 بتفجير منشآت شركة صدف البتروكيماوية في الجبيل شرقي السعودية، وهو تفجير تبناه الحزب عبر 4 من عناصره، كان أحدهم قد سبق له المشاركة في القتال مع حزب الله اللبناني، وهو علي عبدالله الخاتم، وبعد التفجير اكتشف حراس شركات البترول والبتروكيماويات، العديد من عبوات المتفجرات في معمل التكرير في رأس تنوره، ورأس الجعيمة. مواجهة حاسمة دخلت الدولة السعودية في مواجهة حاسمة مع عناصر “حزب الله الحجاز” فاعتقلت الكثير من عناصره، كما قامت بتفتيت العديد من الخلايا وتقديم افراده المتورطين في العمليات الإجرامية إلى ساحات القضاء، حيث تم تنفيذ حكم الإعدام في حق الأربعة المتورطين في تفجير شركة صدف بالجبيل. بعد ذلك أجبرت المواجهة الأمنية الحازمة، حزب الله على التغيير في تكتيكاته، فعمد إلى استخدام استراتيجية جديدة تمثلت في استهداف العناصر الدبلوماسية فنقل معركته إلى السفارات السعودية في الخارج، حيث تخللت عام 1989 عمليات تفجير كثيرة للعديد من السفارات السعودية من بانكوك إلى أنقرة، راح ضحيتها العديد من القتلى والجرحى. تلا ذلك هدوء نسبي تعلم الحزب منه دروس الماضي ومتغيرات الحاضر، فلم يتبن بشكل علني اي عملية بعد ذلك لظروف تكتيكية، وان كان لم يتوقف عن العمل العسكري الخفي، حيث كان الحزب لا يجد غضاضة في استخدام أسماء منظمات وهمية، منها جند الحق والحرب المقدسة في الحجاز، في محاولة خلط الأوراق وإبعاد اسم الحزب عن العمليات، حيث حاولت الدعاية الإيرانية الإشارة إلى أن هذه المنظمات، لا تمت ل”حزب الله الحجاز” بصلة، وإنما هي نتاج خليط من العناصر السعودية واللبنانية والفلسطينية، لكن التحريات الأمنية والاستخباراتية حينها، أثبتت بما لا يدع شكا، أن العديد من منفذي تلك العمليات هم عناصر الحزب. وفي صفر من عام 1417 الموافق 25/6/1996، عاد “حزب الله الحجاز” إلى نهجه القديم بنقل العمليات الإرهابية إلى الداخل، حيث قامت مجموعة من عناصره بتفجير صهريج ضخم في مجمع سكني بمدينة الخبر ذهب ضحيته 19 جنديا أميركيا وجرح خلاله حوالي 350 آخر. تفجيرات الخبر يقول لويس فريه رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق في مذكراته عن تفجيرات أبراج الخبر عام 1996 “علمت للمرة الأولى أن حزب الله كان نشطًا في المنطقة الشرقية من السعودية، حيث وقع التفجير. ومع أن مقر حزب الله هو في لبنان، إلا أنه يتلقى أوامره ويتلقى دعمًا ماديًا ولوجستيًّا من طهران، وبخاصة من جهازي إيران الاستخباريين: فيالق الحرس الثوري الإسلامي، ووزارة الاستخبارات والأمن.. وهو ما جعل احتمالية أن تكون الحكومة الإيرانية على علم بتفجير أبراج الخبر، وقد دعمته كبيرا جدا، وان كانت السلطات السعودية لم تعلن عن نتائج التحقيق الى هذا اليوم، وتتحفظ عليه لخطورة ما اشتمل عليه”. وفي يونيو (حزيران) 2001، اتهمت محكمة فيدرالية أميركية 14 شخصا بالمشاركة في تفجيرات الخبر، وبحسب وزارة العدل الأميركية، فإن 13 من أفراد الخلية الارهابية هم عناصر في حزب الله فرع الخليج، المدعوم مباشرة من ايران، في حين أن الشخص الأخير ينتمي الى حزب الله اللبناني. وزير العدل في حينها جون اشكروفت قال إن قرار المحاكمة يؤكد دور ايران الرسمي في التفجيرات عبر دعم ومساندة وتوجيه أفراد حزب الله الخليجي. وكشف رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق في مذكراته أن سائق السيارة في تفجير أبراج الخبر، ويدعى هاني الصايغ اعترف في أيار (مايو) 1996 أثناء التحقيق معه في مركز اعتقال في كندا، حيث كان يقيم، من قبل مساعد قاض أميركي والعديد من موظفي “إف.بي.آي”، أنه كان مرة عضوًا في خلية حزب الله التي نفذت الهجوم. وقال إن الحرس الثوري الإيراني جنده في الخلية، واشترك في عمليتين أشرف عليهما العميد في الحرس الثوري أحمد شريفي. انكشاف مخططات إيران ونواياها الطائفية، دفع العديد من الناشطين الشيعة لمراجعة مواقفهم بعد سنوات طويلة من الانخراط في العمل السياسي المعارض لحكوماتهم والموالي لسياسات النظام الإيراني، ليعودوا إلى حظيرة الوطن رافعين شعار التعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد، بعدما انكشفت لهم العديد من الأمور الخافية. ففي عام 1993 – 1994، تم الاتفاق بين الحركة الإصلاحية الشيعية وبين الحكومة السعودية، على إقفال مكاتب الحركة في الخارج وإغلاق المجلات الصادرة عنها، وإنهاء النشاط السياسي في الخارج، وقطع العلاقات القائمة بين الحركة وبين المنظمات الأجنبية، والانخراط الهادئ والفاعل في المجتمع والمؤسّسات الحكومية. روح وطنية يقول الشيخ الصفار في مكاشفاته مع الإعلامي عبد العزيز قاسم: “بعد احتلال العراق للكويت واستعانة دول الخليج بقوات التحالف لتحرير الكويت، دخلت المنطقة وضعاً جديداً، ورأينا الخطر محدقاً ببلادنا، وقد بذل النظام العراقي الزائل جهوداً مكثفة لاستمالتنا نحو موقفه، بأن نعارض مجيء قوات التحالف، ونصعّد معارضتنا للنظام في المملكة، واتصلت بنا حركات إسلامية كثيرة تشجعنا على ذلك، لأن الموقف العام عندهم كان بهذا الاتجاه، ولكننا درسنا الأمر بموضوعية وبروح وطنية، فقررنا أن ننحاز لوطننا، وأن نقف معه في وقت المحنة والشدة، فأعلنت في تصريح بثته وكالة رويتر للأنباء في وقته، بأننا وإن كنا نعاني من بعض المشاكل، إلا أن ذلك لا يعني أن نقف مع العدوان العراقي أو نبرر له، ورفضنا كل الإغراءات، وطالبنا أهلنا بالتطوع للدفاع عن الوطن، وبحفظ الأمن والاستقرار في ذلك الظرف الحساس، هذا الموقف قابلته حكومة خادم الحرمين الشريفين بالتقدير، وكان هناك بعض الوسطاء مثل سفير المملكة في الشام “الأستاذ أحمد الكحيمي” الذي كان له دور طيب، والدكتور ناصر المنقور سفير المملكة بلندن قبل القصيبي، وبعض الأخوة في أميركا التقوا أيضاً مع السفير السعودي الأمير بندر بن سلطان، فتكثفت اللقاءات وتكثف التواصل بيننا وبين الدولة تقديراً منا للظرف الذي يمر به البلد وتقديرا من الدولة للموقف الوطني الذي اتخذناه، ثم تفضّل خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، وبعث مندوباً من جهته إلى لندن، داعياً الإخوة للقاء الملك مباشرة للاطمئنان إلى موقف الحكومة واهتمامها بالأمر، وسافر بالفعل أربعة من الإخوة إلى جدة، وهم الشيخ توفيق السيف، والمهندس جعفر الشايب، والأستاذ عيسى المزعل والشيخ صادق الجبران، حيث حظوا بلقاء خادم الحرمين الشريفين في سبتمبر عام 1993، وسمو وزير الداخلية، وسمو أمير المنطقة الشرقية”. وفي ظل الأوضاع الأمنية الحرجة التي تمر بها منطقة الخليج العربي بعد الثورات العربية عاد حزب الله الخليج لينشط مرة اخرى عبر البحرين والكويت والسعودية من خلال تحريك خلاياه النائمة، لاسيما بعد الضغوطات الكبيرة على سوريا، فكانت حركة التخريب في البحرين ورفع علم ايران في المظاهرات، بالاضافة الى احداث العوامية التي ذكرت السلطات السعودية ان لها صلة بإيران، وأخيرا الخلية التي اكتشفتها دولة قطر، والتي كانت تنوي تفجير جسر الملك فهد والسفارة السعودية في البحرين. يبقى السؤال مفتوحا.. هل مصير حزب الله الخليج بات مربوطا بمستقبل حزب الله اللبناني المترنح مع أحداث سوريا وتكون الأيام الأخيرة بداية النهاية التي تلوح في الأفق؟!