اثار حادث نبش قبور مترامية في صحراء موريتانيا ونقل رفاة الموتى للتنقيب عن المعادن النفيسة تحت الأرض غضب وسخط سكان منطقة انشيري (غرب موريتانيا) الذين اتهموا شركة مناجم النحاس بالجشع والطمع وانتهاك حرمة الموتى والعبث بها، ورغم تأكيد الشركة أنها حصلت على موافقة الجهات المختصة وعلى فتوى شرعية من هيئة العلماء الا ان الغضب الشعبي من هذه الحادثة التي تعد الأولى من نوعها في البلاد لا يزال مستمرا ويهدد بفتح ملفات شركات التعدين والمخالفات القانونية التي ترتكبها والتي اثرت على الحياة الاجتماعية والبيئية في منطقتي انشيري واكجوجت شمال وغرب موريتانيا. وكانت شركة مناجم النحاس الموريتانية قامت مؤخرا بنبش عشرات القبور ونقلها إلى مكان آخر بموافقة أهالي الموتى وفي حالات اخرى دون موافقتهم بسبب عدم التوصل لأهل المتوفي ورفض آخرين نقل رفاة ذويهم، مما حدا بالشركة الى نبش القبور بداعي انها قبور مترامية في اراضي شاسعة مليئة بالمعادن النفيسة ومستندة على فتوى دينية وموافقة وزارتي الشؤون الاسلامية والمعادن. فتوى من رابطة العلماء وبحسب المسح الذي قام به أحد مكاتب الدراسات الخاصة، ووفقا للتوسعة الجديدة لنشاط الشركة والدراسات التي تمت في هذا الصدد، فقد تأكد للخبراء ان منطقة محددة في ولاية انشيري غنية بمعدني الذهب والنحاس لكن هذه المنطقة بها مجموعات من القبور المبعثرة اغلبها لمسافرين ورعاة الابل الذين ادركهم الاجل في هذه المنطقة ودفنوا هناك، فقامت الشركة بتوجيه طلب رسمي للوزارة الوصية من اجل الترخيص لها بالتنقيب في هذه المنطقة ونبش القبور ونقلها الى مناطق اخرى. وبدورها قامت وزارة النفط والمعادن بتحويل هذه الرسالة إلى وزارة الشؤون الإسلامية بوصفها جهة الاختصاص، والتي طلبت بدورها من رابطة العلماء الموريتانيين حكما شرعيا يكون مرتكزا لنبش هذه القبور ونقل جثامينها، إن وجدت، إلى مقابر أخرى، واخيرا حصلت الشركة على حكم شرعي بجواز نقل القبور من السلطات "جلبا لمصلحة أو دفعا لضرر". وفي سرية تامة بدأ تنفيذ العملية حتى لا تثير غضب سكان المنطقة وأهالي المتوفين، وشكلت السلطات المحلية لجنة جهوية مكونة من ممثل عن وزارة الشؤون الإسلامية وطبيب وكاتب ضبط وبعض العمال اليدويين، وقد قامت هذه اللجنة منذ بداية الشهر الحالي وحتى الساعة بنقل رفاة أكثر من 10 قبور، وتم اخلاء جزء كبير من المنطقة التي ترغب الشركة في استغلالها. لكن الكشف عن القضية في وسائل الاعلام اجهض جهود السلطات التي كانت ترغب في اتمام المهمة في سرية تامة، ورغم ان الشركة قامت بوضع ميزانية في حدود 2 مليون أوقية لتعويض ذوي الجثامين المنقولة، إلا ان الحادثة التي تعد سابقة في البلاد أثارت جدلا واسعا بسبب حساسية نبش القبور وشيوع الدفن في الصحراء بين الموريتانيين ووجود عدد كبيرة من المدافن الصغيرة المترامية خاصة في المنطقة الشمالية حيث مراعي الابل وقلة التجمعات السكانية. "ظاهرة غريبة عن المجتمع" من جانبه، يقول الباحث محمد ولو ادومو ان اشكالية استغلال المقابر القديمة من جديد طرحت في اغلب الدول العربية لكنها ظاهرة جديدة في موريتانيا وغريبة عن المجتمع فاذا كان زحف العمران وازدياد عدد السكان دفع بعض الدول الى تدبير الوعاء العقاري الذي يحتضن المقابر واعادة استغلالها من جديد وفق فتوى شرعية لا تنتهك حرمة القبور، فان الامر يختلف في موريتانيا لأن الحاجة لم تكن ملحة لدرجة نبش القبور والعبث بها. ويشير الى ان المناطق الخصبة والغنية بالمعادن كثيرة في موريتانيا حسب الدراسات والأبحاث التي اجريت في هذا الصدد، لذلك فلا ضرورة حتمية لنقل القبور، ويوضح ان للمقابر حرمة خاصة في الإسلام، فالقبر وقف لصاحبه ولا يجوز العبث به او نبشه إلا في استثناءات خاصة حيث يتم استخراج الجثث لإعادة دفنها في مكان آخر. ويضيف ان "هدم القبور المندرسة التي تحولت جثثها إلى تراب جائزا شرعا مع وجود ضرورة اقتصادية واجتماعية لذلك، لكن لا يجوز هدم ونبش القبور غير المندرسة احتراما لمشاعر عائلات الموتى وحرمة الميت نفسه"، ويؤكد انه لا يجود قانون بخصوص استغلال المقابر ونقل القبور في موريتانيا، بينما هناك قوانين في دول اخرى تحرم استغلال المقابر الا بعد التأكد من تحلل آخر جثة مدفونة من خلال تحديد مدة معينة تبدأ من تاريخ آخر عملية دفن في المقبرة، ويضيف "لكن الثابت ان الاسلام أولى أهمية لمكانة المقابر وحرمة قبور واعتبارها وقفا مستمرا على دفن موتى المسلمين إلى يوم الدين". فتح ملفات قديمة وفتح حادث نبش القبور بطلب من شركات المعادن، المجال امام هيئات المجتمع المدني والفاعلين الجمعويين الذين هاجموا شركات التعدين واغتنموا الفرصة لتسليط الضوء على أساليب عمل هذه الشركات والطرق المتبعة في عملياتها المنجمية والتأثيرات السلبية التي تخلفها المواد الكيمياوية والسموم التي تستخدمها، واصفين إياها بالملوثة للبيئة والمضرة بالإنسان والأرض. وكان عدد من الخبراء في مجال البيئة والمعادن قد حذروا من التأثيرات السلبية التي تخلفها المواد الكيمياوية والسموم التي تستخدمها شركات التعدين في موريتانيا مؤكدين ان بعض الشركات لا تحترم المعايير والمواصفات الدولية خاصة فيما يخص معالجة السموم والمواد الكيمياوية وتحويل بعض الأراضي الى أحواض مكشوفة ومكبات للنفايات الكيمياوية والمخلفات المعدنية، ويطالب الباحثون بضرورة معالجة النفايات وفحص التربة والمياه الجوفية والتسربات المحتملة لبعض المواد السامة. ويعرف الإنتاج المعدني نشاطا كبيرا في موريتانيا، ووصل استخراج الحديد خلال العام الماضي الى 11.1 مليون طن، وبينما تم استخراج 330 ألف طن من النحاس الفلزي، و7.311 طن من الذهب، ووصل عدد الرخص الخاصة بالبحث المنجمي الى 197 رخصة منحت ل 55 شركة معدنية.