تسبب الفهم غير الصحيح للنصوص القرآنية والشرعية في تخلي الكثيرين عن الصور الإنسانية النبيلة، والمعاني الجميلة التي دعا إليها الدين الإسلامي الحنيف، وخصوصا ما يتعلق منها بحفظ حق المجني عليه بالمطالبة بالقصاص أو الدية. وبالرغم من حرص الشريعة الإسلامية على حفظ النفس، وجعل عقوبة التعدي عليها من أشد العقوبات، وتعظيمها (في المقابل) قيم العفو والصفح والتسامح من أولياء الدم مرضاة لله تعالى؛ تأتي المبالغة في طلب الدية أبرز الظواهر السلبية التي تواجه المجتمع في الآونة الأخيرة، وتشكل عائقا أمام جهود المصلحين وتُغيّب صفة الساعين في إصلاح ذات البين، ولم يعد العفو كما كان دائما مرضاة لله تعالى، بل تحول إلى صفقة، كما تحول الصلح والإصلاح إلى تجارة تخالف مفهوم الشرع وخروج عن دائرة الإصلاح الذي يُرجى به وجه الله عز وجل. هذه الظاهرة دفعت عددًا من المشايخ والباحثين والمختصين إلى تأكيد أنها ظاهرة لا تمت بأي صلة للدين الإسلامي الحنيف. وقال رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، عضو لجنة إصلاح ذات البين بمحافظة الطائف، الدكتور أحمد بن موسى السهلي: "إن الزيادة على الدية مختلف في حِلّها؛ فمن العلماء من لا يجيزها ويُحرّم إعطاءها وأخذها وهؤلاء يستدلون بحديث أبي شريح الخزاعي مرفوعًا: (من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث إما أن يقتص وإما أن يعفو وإما أن يأخذ الدية). وبيَّن نائب رئيس المحكمة الجزائية المكلف، الشيخ صالح الرشيد- من جانبه- أن الأحاديث المتكاثرة جاءت بجعل الدية مائة من الإبل بأوصاف معلومة لأهل العلم، مشيرًا إلى أن الدولة حرصت على إعادة مقادير الدية بالنقد بما يعادل قيمة الإبل بتغير الزمان والأحوال، إلا إن المشاهد في واقع المسلمين اليوم هو المبالغة والاستكثار والبحث عن الثراء مقابل عتق الرقاب، والأصل أن يعفو ولي الدم ابتغاء وجه الله، ويأخذ ما جاء في الأحاديث عن الديات. وتحدث في هذا الشأن- أيضًا- المستشار الاجتماعي بالشؤون الاجتماعية بمحافظة الطائف، محمد الجعيد: "إن المبالغة في الديات لها أثر سلبي كبير يقع على أسرة القاتل أو السجين، حيث تجرُّ عليهم الويلات وتدفعهم أحيانًا إلى ارتكاب بعض السلوكيات الاجتماعية الخاطئة أو غير المستحبة، وقد تستجدي أسرة القاتل أو عصبته من أجل جمع الأموال المبالغ فيها. وفي نفس السياق، تحدث المحامي عبدالله المالكي، قائلًا، "إنه حينما أنزل الله تعالى قوله: (و من عفا وأصلح فأجره على الله) كان المجتمع يعاني مشكلات اجتماعية ومادية أكثر مما هي عليه الآن، ومع ذلك كان الفهم الصحيح للنصوص القرآنية والشرعية، وكان العفو له وجه واحد وهو العفو طلبًا لمرضاة الله تعالى، ولكن حينما يتحول العفو إلى صفقة والصلح والإصلاح إلى تجارة، فإن هذا الأمر يعد مخالفة لمفهوم الشرع وخروجا عن دائرة الصلح والإصلاح لحض الناس على نيل مصالح دنيوية من هذا العمل الذي يرجى به وجه الله تعالى".