في خطوة وصفت بأنها محاولة لطمس التاريخ الإسلامي العريق في الأندلس، قامت أسقفية قرطبة بحذف كلمة "مسجد" من اسم "مسجد كاتدرائية قرطبة" على موقعها الإلكتروني وعلى تذاكر السياح الذين يزورونه، وغيرها من المواد الدعائية للتعريف به، وهو ما وُوجه بغضب من المسلمين في هذه المنطقة، فيما احتجت حكومة إقليم الأندلس (جنوب إسبانيا) على هذه الإجراءات، مؤكدةً أنها ستقاضي الكاتدرائية. وطبعت الأسقفية عبارات اختفى منها أي ذكر لمسجد قرطبة، كما تحمل اللافتات في الموقع السياحي عبارة "الأسقفية ترحب بكم في الكنيسة الكاتدرائية". وقال وزير السياحة في إقليم الأندلس رفائيل رودريجوز لصحيفة ألبايس الإسبانية، اليوم الثلاثاء (16 ديسمبر 2014): "محاولة إخفاء حقيقة المسجد هو أمر غير معقول"، متابعًا أنه "يشبه محاولة تسمية قصر الحمراء قصر تشارلز الخامس"، وفقًا لوكالة الأنباء "الأناضول". وأضاف الوزير الذي وصف موقف أسقفية قرطبة ب"الأصولية"، أن الأسقفية تعطي الأولوية للمعتقدات الدينية على المنطق السليم والتاريخ الطبيعي للمبنى، وهذا لا يبدو لي معقولاً ولا مقبولاً". وأضاف: "سنتقدم باحتجاج مكتوب إلى الأسقفية، كما سنسعى إلى رفع دعوى قضائية حول عدم دستورية إشراف الكنيسة على مسجد قرطبة". وقال حميد باللحسن المحلل السياسي ومؤسس مركز بويرتا ديل سول للعلاقات الدولية: "يتعلق الأمر بتغير وضع قائم منذ زمن طويل. قرار أسقفية قرطبة يأتي في إطار تغيير وتغييب المُكوِّن الإسلامي لهذه البلاد". ومضى بالقول: "أخشى أن المسألة تتجاوز موضوع تغيير اسم موقع أثري رغم أهمية ورمزية المكان بالنسبة إلى المسلمين في إسبانيا". ومسجد قرطبة بناه المسلمون في القرن الثامن الميلادي، وهو من أكبر معالم قرطبة التي كانت مصدر إشعاع ثقافي في تلك الفترة، وعندما استعاد المسيحيون السيطرة على قرطبة في القرن الثالث عشر الميلادي، أقاموا كاتدرائية وسط المسجد، وهذا ما جعل المبنى الأثري يشهد خلافًا دائمًا حول تسميته الدينية. وقالت ماريام إيزابيل روميرو رئيسة لجنة المآثر التابعة للهيئة الإسلامية الإسبانية، في تصريح ل"الأناضول": "نحن لا نريد ولا نهدف للدخول في جدل ديني بين المسلمين والمسيحيين، ولا أن يكون هنالك أي صراع بين الديانات. مهمتنا التي نسعى إليها وندافع عنها هي عدم محو التاريخ، وهذا ما نلاحظ أن الكنيسة تحاوله". وأضافت: "هم يحاولون محو التاريخ وهذا مستحيل. ونحن سندافع عن أي أثر تاريخي لأي ديانة، ونعتبر مسجد قرطبة رمزًا تاريخيًّا للجميع ويجب الحفاظ عليه وعدم المساس به". وقال محمد المختار ولد عبد الله الباحث في تاريخ الأندلس وإمام مسجد بويرتا دي روساري بجزر الكاناري: "ما حصل في مسجد قرطبة هو من بين حوادث كثيرة نلاحظها في السنوات الأخيرة تؤثر في حيوية التراث الإسلامي في الأندلس، وهي محاولة لطمس التاريخ الإسباني الذي هو جزء من ذاكرة مشتركة بين المسلمين والإسبان ويجب احترامه".