كفل الإسلام والديانات السماوية للفرد الحرية في كل الجوانب التي لا تتعارض مع تعاليم الشريعة في كل ما من شأنه ضمان الاتساق والتكامل في شخصيته بحيث يتحقق للطبيعة الإنسانية كل متطلباتها الدينية والمعيشية والروحية والعقلية والعاطفية والاجتماعية والجمالية والثقافية وحرية المناقشة والجدال في حدود العقل والمنطق والتزام الآداب والبعد عن الخشونة والعنف والفرد لديه العقل الذي هو عنصر خلقي تكمن فيه عناصر ومكونات الشخصية المستقلة القادرة على المقارنة والتقويم والاختيار والحرية والمشروعية . والديانات السماوية عامة والإسلامية خاصة تؤسس المجتمع في وحدة واحدة لا تقبل الانقسام إلى وحدات ( بمعنى مجتمع واحد في وطن واحد ) بعيدا عن الشعارات والنداءات والحزبيات والانتماءات التي تضيع الوحدة الوطنية . ثم تشيع البلبلة بسبب تعدد وخلافات الطوائف فيما بينهم . والإنسان بالدول العربية الثائرة يحتاج إلى قليل من التأمل والفهم والتدبر ليحكم عقله ليقبل الحجة له أوعليه . وعقل الشيء معرفته بدلائله وفهمه بأسبابه ونتائجه , وأبعد الناس عن معرفة الحق المقلدون الذين يقولون كما يقول الناس وهم لا يعلمون أبعاد وتبعات أفعالهم وسجلوا على عقولهم حرمان الفهم والتفاهم مع الآخرين . والمقلد في الميادين إنما يعرف فلانا يقول إن هذا هو الحق فهو عارف بالقول فقط . وهؤلاء يسجل عليهم ضلالة فهم الموقف بعدم استعمال عقولهم . والإسلام والديانات السماوية كما ذكرت سلفا يدعم حرية التفكير وبناء العقل السليم من أجل بناء مجتمع صحيح قوي . وإذا كانت العبادات تعمق الإيمان في القلوب فإن التفكير السليم الحر يفتق الذهن ويصقل العقل ويجليه من الشوائب ويجعله يتحرر بقرارات سليمة بعيدة عن التشنج من تلقاء نفسه لا تملى عليه ولا ينقلها من آخرين , وإنني كغيري من المتابعين عبر وسائل الإعلام المختلفة ليحزنني ما رأيت من حملات مسعورة وثورات كالبركان الثائر وأحداث في الماضي وفي الحاضر بما يسمى ( بالربيع العربي ) واسمحوا لي أن أسميه ( الخريف العربي ) ونخشى مما سيتطور ثم يكون في المستقبل لا سمح الله , إن استمرت الأمور على هذا المنوال . مع العلم بأن هناك أمور شرعية وقانونية وعرفية ترتكز عليها الحرية حتى لا تتفشى الفوضى ويفسد النظام وتعم البلاد الكوارث التي هي من صنع المواطن جعلت ممن بأيدهم اتخاذ القرار بالدول الثائرة تتصرف بما تراه لوقف هذا البركان والنتيجة سحق الحكمة من جميع الأطراف دون استثناء أدت إلى إهدار دماء مواطنين ( ربما يكونون على حق وربما على باطل ) وليعلم الجميع أن الأنظمة شرعت من أجل إصلاح المجتمعات وأصبح من الضروري جدا التمسك بها لتثبت الأمم ثم يسود الأمن والأمان ويعيش المجتمع وتعود الحياة وتسير الأمور كما ينبغي على الوجه الأكمل . والموقف اليوم لا يسمح بإلقاء اللوم على أحد دون الآخر حتى لا يحدث لأمتنا العربية مثل ما حدث للثورة الفرنسية في أربعينيات القرن العشرين بقيادة الجنرال شارل ديجول , حيث استمرت البلاد في فوضى وقلاقل وعدم استقرار وخوف لمدة سبع سنوات وتم استقرار الأمن والنظام بعد جهد جهيد .واسمحوا لي كمواطن عربي أغار على ديني ثم عروبتي , أوجه رجاء ممزوج بحزن شديد لما يحصل من مصائب للجميع بالدول العربية عامة ومصر الحبيبة خاصة كونها أشد محنه من غيرها حكومة مؤقتة وقياديين أمنيين وعلماء ومفكرين ورؤساء أحزاب سياسية وكتاب وشعوب تغار على أوطانها ويؤلمها إهدار دماء أبنائها ولا ترضى بدمار البنية التحتية لبلادها لنتدارك الأمر قبل أن يستفحل أكثر مما هو عليه اليوم , بإعادة التوازن والتماسك ونضع أيدينا بأيدي بعض مهما كانت العقائد والمذاهب والانتماءات ونبتر الخلافات ونحقن الدماء ونفتح صفحة جديدة وننادي بالوحدة الوطنية لنبني جسرا من المحبة والألفة والتفاهم والتعاون والتراحم بين الجميع بكل ما من شأنه خدمة الدين ثم المجتمع والصالح الوطني العام . ولا ننظر لمن يحاول تشويه صورتنا وزعزعة أمننا في الداخل والخارج ولا نجعل لأي حاقد وحسود مجالا للتأثير علينا وعلى أبنائنا ونوجه أبنائنا التوجيه الحسن . ودعونا نسير بركب الحضارة باختيارنا غير مسيرين لنحقق النجاح المطلوب لوطننا العربي والإسلامي . ولا يمكن تحقيق النجاح إلا عن طريق التجرد من الشوائب ونبذ الحزازات والابتعاد عن التشنجات بعد التركيز على تحقيق الرغبات المؤدية للنجاح , وتجنب كل ما يعرقل الوصول للهدف المنشود . وانطلاقا من حبي لمصر وشعبها فإنه يطيب لي أن أطرح وجهة نظر شخصية للمسئولين والقياديين الأمنيين في مصر لكي يحفظوا الوطن ويصونوا ويضمنوا له الهدوء دون عنف من جميع الأطراف وهي مبادرة من عدة نقاط أجملها بما يلي : 1 المبادرة إلى كل ما يحقن الدماء ويحفظ الحريات ويجنب الإقصاء ورفع راية شعب واحد في وطن واحد . 2 وقف جميع النشاط السياسي من المظاهرات والنشاطات الحزبية ووقف الدعوات بوسائل الإعلام لحزب أو جماعة أو فرد لمدة معينة حتى تستقر الأمور ونبذ الكراهية بين الأنفس والبعد عن التنابز وإغلاق أبواب الشر وإيجاد التنازلات من الجميع لتحيا مصر من جديد وإلى الأفضل ويكون الأمر المنشود قد تحقق . 3 تكوين حكومة أزمة من جميع الخبراء وأساتذة الجامعات الذين ليس لهم أي انتماء سياسي بعيدين عن العاطفة ليبذلوا الجهد المؤدي إلى بر الأمان ثم إلى النجاح لتستجيب معادلة الهدوء . 4 لجنة لعمل الدستور من قبل فقهاء دستوريين يتم انتخابهم من مجلس الشعب بعد انتخاب مجلس الشعب . 5 لجنة لعمل مجلس الشعب الذي يتم انتخابه ويتم تحديد موعد لا يتجاوز وقت معين لكسب الوقت ومن ثم يسود الهدوء . 6 لجنة لتجهيز انتخابات الرئاسة . وأعتقد والله أعلم لو سارت كلها بالتوازي ستكون النتائج إيجابية للمصريين أولا ثم للأمتين الإسلامية والعربية ثانيا وهذا ما نتمناه ومن المؤكد أن هناك من يقول سوريا أكبر مصيبة من مصر . أقول صحيح ولكن في سوريا أعظم من مصيبه بل كارثه أشبه ما يكون بزلزال دمر الدولة بمن فيها . ومن تخاطب فيها ؟ أختلط الأمر وتحتاج إلى تدخل أممي دولي لحل مصيبتها. ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يحفظ وطننا العربي والإسلامي من كل سوء ومكروه وأن يؤلف بين قلوبهم وأن يبعد عنهم التشاحن والعنف وأن يجعلهم يدا واحده وتحت رأيه واحده في وطن واحد . وفقنا الله وإياكم والأمتين العربية والإسلامية إلى سواء السبيل . صالح بن عبدالله الباحوث [email protected]