في نهاية شهر ربيع الأول بدأ ألمك وداهمتك أسباب الوفاة, وخلال أيام قلائل, رحلتي عن دنيانا الفانية إلى رب رؤوف رحيم, إنه يوم فراق الحبيبة الحنون أم أحمد ( نورة بنت علي العجلان ) ... كنت قبلها ملء السمع والبصر, تجملين المناسبات وتفرحين بالاجتماعات أيام قلائل عانيت فيها ما جرح قلوب أحبابك , وأنزل الدمع مدراراً من مآقيهم, فمنهم من يكتم بكاءه ويجهد في حبس الدمع في محاجره ويتجلد والنار تشتعل في جوفه, ومنهم من غلبته الدموع ,ولم يستطع للبكاء كتماناً. لا تظنين أن مصابك مقتصر على أبنائك وأحفادك, بل هو أشمل من ذلك وأوسع لقد وسع من وسعتيهم بصلتك, وشمل من شملتيهم بعطفك ورحمتك, لم أر قبلك من ربات البيوت من بكاه الكبير والصغير, وفقده القريب والبعيد . حينما يأخذ الحزن بمجامع القلب, نتذكر ما يدخل البهجة في قلوب أحبابها, إنه عملها الصالح الذي عرفناه, وعبادتها التي شاهدناها - ونحن شهود الله في أرضه - في تلك الايام الخوالي كان مصحفك بحروفه الكبيرة منشور بين يديك في أوقات هجوع الناس وانشغالهم حتى نسب الأطفال تلك الطبعة الكبيرة للمصحف إليك رغم أنك نشأت أمية, لكن الهمة العالية والحرص على إشغال النفس بكتاب الله جعلك تتعلمين قراءة القرآن فقط, حتى أصبح أنيسك في الخلوات, لم يستطع أحد من محبيك أن يثنيك - خوفاً على صحتك - عن قضاء رمضان كل عام في بلد الله الحرام, حيث ترابطين فيه الساعات الطوال من بعد الظهر إلى منتصف الليل رغم شدة الحر وطول النهار , والله تعالى يعلم ما كنت تنفقينه في تلك الأيام المباركة من الصدقات والنفقات ما تخفينه عن أقرب الناس إليك. ولم يكن قيام الليل عندك مرتبط بهذا الشهر الكريم بل هو فرض لازم عندك لم تدعيه حتى وأنت على سرير المرض تتكبدين مشاقه . إنها المرأة التي لا يعرف الغضب إليها طريقاً فهمها رضا الجميع وجمع القلوب ولم الشمل والقيام بالحقوق والواجبات والمسارعة إلى الفضائل والمكرمات. أما صلتها للأرحام ووصلها للأقارب والجيران فتشهد به الجموع التي خرجت خلف جنازتها تلهج لها بالدعاء . إننا لا نبكي للفقيدة لأننا نظن - ثقة بالله تعالى - أن ما أفضت إليه أفضل مما تركت وما عند الله لها خير لها مما عندنا , لكننا نبكي عليها لأن فقد الأعمدة يزلزل الأركان وكذلك كانت أم أحمد . (أمي نورة ) جملة ترددها أفواه الأطفال الذين يطوفون حولها بلعبهم وصراخهم فلا تتضجر أو تتكدر بل يزداد فرحها وسرورها مع ازدياد أعدادهم وملء فضائها بأصواتهم وهي توزع عليهم الحلوى والهدايا حتى تعلق بها الأطفال كتعلقهم بأمهاتهم بل أشد . إن جئتها ضحكت ومدت كفها .في جيبها تعطي بدون تواني اللهم ارحم أم أحمد كما رحمت الصغير والمسكين وألطف بها وأفسح لها في قبرها ونور لها فيه . رباه قد نزلت بساحك ضيفة أنت الكريم فهل يخيب رجاه يا رب ثبت باليقين فؤادها لا مال ينفع ها هنا أو جاه واغفر إلهي ذنبها متفضلاً وامنن عليها بالرضا رباه د. عبد الله بن محمد الرميان