حفظ قدر أهل العلم و ورثة الأنبياء وتقديرهم ومعرفة مكانتهم خلق قويم ومنهج شرعي .. وتقدير أهل الفضل و إنزالهم منازلهم ثقافة اجتماعية راسخة .. وجزء من القيم الإنسانية النبيلة التي لا يختلف عليها الناس في المجمل .. وهذه المكانة و التقدير ينبغي أن لا يحصل عليها الشخص لجيناته الوراثية أو لدمه الأزرق أو الأبيض أو لمجرد لقب حضي به باستحقاق أو من دونه ، أو من خلال حجم ثروته أو شهرته أو شهادته .. بل المقياس الحقيقي لذلك هو منجزه الشخصي و أثره في حياة الناس ومدى نفعه لهم وسعيه في الإصلاح وبذل جاهه و ماله في خدمتهم !! ومن هذا المنطلق فإن من حق كل شخص أن يضع تقييمه الشخصي للطرف المقابل قبل أن يقتنع بحصانته من النقد و التقويم ، وقبل الإقرار باستحقاقه للمكانة التي وضع فيها ، و إذا كان الناس قد تعودوا أن يقولوا لمن ينتقد : ماذا فعلت أنت ؟ فإن من حقنا نحن أن نقول لهؤلاء الذين تصدروا المنابر و أعمدة الصحف و أدمنوا الحديث باسم المصلحة ؛ من حقنا أن نسألهم : ماذا قدمتم أنتم لأمتكم و وطنكم ؟ إن إدمان الظهور ، و الحرص على الجاه ، و الكلام الجميل ، وركوب موجات الصراع اللفظي ليست مشروعاً إصلاحياً ، ولا يمكن اعتبارها قيمة حقيقية ما لم تتحول إلى فعل يؤثر في حياة الناس ، ويحسن من واقعهم .. وعندما تقيم مراجعة جادة لكثير من أولائك الذين منحهم الناس ثقتهم و صدقوهم على مدى عقود فلن تجد أثراً حقيقياً سوى الكلام و المشاريع المؤجلة وربما بعض الكلام الذي يؤجج المشاعر و يسهم في إفراغ الشحنات العاطفية لكنه لا يؤدي إلى هدف .. وقد تتفاجأ في نهاية المطاف أن هذا الشخص الذي كان يحرك بوصلة عواطفك ليس سوى شخص نجح في صناعة نفسه كرمز يرفل بجاه المكانة و بوفرة المال على حساب أحلام البسطاء !! إن شخصاً يتابعه الناس بمئات الآلاف وتتفاجأ أن كل اهتماماته تدور حول ماذا فعل البارحة وكيف تأثر الناس بقوله و ماذا قال له ابنه .. أو دعوة صريحة لشراء كتبه .. أو يتباهى بمصادره الخاصة في خبر تافه .. أو يرسل لملايين المتابعين رسالة تفيض ورعاً وزهداً وتحث على القناعة وهو يوقع عقداً بعشرات الملايين .. فإنك حتماً ستصاب بخيبة أمل كبيرة !! أقول لكل هؤلاء ماذا قدمتم ؟ وما هو مشروعكم الإصلاحي ؟ ففي نهاية المطاف لا نرى الناس قد زاد ورعهم ولم تتقدم الأمة في تعليمها أوصناعتها ومازال الناس يستجدون الشفاعة في العلاج ودخول الجامعات وما زالت أحلام الناس البسطاء مؤجلة حتى إشعار آخر لصالح صراعات غارقة في الجزئيات في مقابل غض الطرف عن القضايا الحقيقية باهضة الثمن !! المؤلم حقاً أن رموزنا الذين يتسابق الناس لتبجيلهم يعيش كثير منهم في أبراجهم العاجية ، بل إنك ستصاب بالإحباط حينما تجد أن أثريائنا ومشاهيرنا يتسابقون على التفنن في ابتكار أساليب التهرب من الاستحقاقات الاجتماعية ( وأحياناً يتم بذلك بغطاء شرعي ونظامي) وفي المقابل من المثير للدهشة أن بعض أثرياء الغرب مثل ( وارن بافيت ) أعلن تعهده بالتبرع بالجزء الأكبر من ثروته من خلال تخصيص 83% منها إلى مؤسسة خيرية لدعم الأبحاث الطبية ومساعدة الفقراء والمرضى، فضلاً عن تشجيع التعليم والتربية في البلدان الفقيرة ومثل ( بيل غيتس ) رئيس مجلس إدارة ((مايكروسوفت)) العالمية وأحد مؤسسيها، الذي تبرع بمبلغ ثمان وعشرين بليون دولار من ثروته لأعمال الخير، أي ما يقارب نصف ثروته، كما أن مؤسس شبكة CNN الأمريكية واسمه ( تيد تورنر ) تبرع بثلث ثروته إلى المنظمات الإنسانية في الأممالمتحدة !! وسواء كان دوافع مثل هؤلاء الشهرة أو الدعاية أو الحس الإنساني فإن هذا يجعلنا نتساءل عن دور العلماء ورجال الإعلام و الأثرياء عن التوجه لتبني مشاريع كبرى ذات بعد استراتيجي تساهم في تقدم المجتمع وتنميته ، لا سيما و أنهم ينتمون إلى هذا الدين العظيم الذي يعلي من شأن التطوع ويعد بالثواب الجزيل ومضاعفة الأجر .. وأين هؤلاء من سيرة كسيرة الإمام ابن باز الذي أمضى عمره في تعليم الناس و السعي في إصلاح معاشهم و بذل جاهه لهم في تواضع و كفاف من العيش وترفع عن سفاسف الأمور !!! خاتمة : (( خير الناس أنفعهم للناس )) أحمد بن عبدالله أباالخيل