استعادة الأيام الخوالي شعور لا ينفك ينتاب كل إنسان .. تسافر به الذاكرة إلى تاريخ طفولته ، يتذكر أجمل ما فيها بشغف ومحبه ، و تتحول الذكريات الرمادية إلى مشاهد طريفة تستدعي الابتسامة أكثر مما تستدعي الدمعة .. في العيد بشكل خاص تستيقظ هذه المشاعر بشكل أوضح ، تحاول أن تسافر بنا عبر الزمن ، تستدعي كل حياتنا مختزلة في أيام العيد ولياليه ، وتأتينا على شكل صور متلاحقة ، تفقد تسلسلها ، ونفقد نحن القدرة على عقد المقارنات بينها لكنها تبقى ممتعة وعميقة ولها أجمل الأثر في الروح ، وعندما نستسلم لها نجد أننا وبشكل لا إرادي نقف عند بعض التفاصي الصغيرة واللحظات التي تحاول الهروب من ذاكرتنا نستذكر عيدنا القديم الذي كان عيداً للفرح الحقيقي ، والنشوة الصادقة ،والقلوب الخالية من كل شيء إلا من الفرح ، والآمال السخية ، وقبلات الوالدين و الأقارب التي تنهال على خدك وجبينك برخاء وود صادق تسري مشاعرها في جسدك وروحك .. لا زالت ذاكرتي في كل عيد يصدح في ثناياها أصداء تكبيرات رجال الحي ، وخطوات النساء المتلفعات بالسواد تحتضنهن طرقات الحي الضيقة تنقلهن إلى المسجد في جموع يجللها السكينة والوقار . حينها لم نكن لنسمح بشيء أن يسرق منا فرحة العيد ، وبهجة اللقاء بالأقارب، فلم تكن أدوات الترفيه والتواصل قد وجدت بعد ، ولم تكن قد أدت دورها في إفراغ اللقاءات العائلية من حميميتها ،كان الناس يعيشون العيد بكل لحظاته ، وبكل ما فيه ، لم تكبر همومنا ، ولم نعرف بعد منطق الربح والخسارة ، ولم تتجه بنا الدنيا إلى حلبات المنافسة على لا شيء .. كانت عقول الأطفال الصغيرة بالكاد تحاول جاهدة أن تتشبث باللحظة الحاضرة ، واعتصار كل ما تحمله من الفرح والمتعة . لكن الخبر الجيد لكل الكبار الذين تخلوا عن فرحة العيد أنه لا زال في الوقت بقية !!! بإمكانك أن تستعيد الفرحة ، وأن تنجح في إعادة الإحساس بالحياة ، فقط بأن تعقد العزم على أن تعيش اللحظة ، لا تدع هواجس المستقبل ، أو فورات النفس ، أو التفكير بالآخرين تسرق منك لحظاتك . أطلق قلب الطفل في داخلك و استمتع بثوب العيد الجميل ، وببهجة الملبس ، ومتعة الطعام والمشاركة ، ولا تترك الجمال والفرحة مجرد ذكريات تعتقد أنك لم تعد قادراً على الاستمتاع بها . فقط في العيد لا تستلم لإيقاع الحياة المدنية الصاخبة ، أو لتهاني العيد التي لا روح فيها والتي تطالعنا في كل مكان وعلى صفحات الصحف وفي المواقع الالكترونية بل وعلى لوحات الدعاية والتي رغم جمالها الظاهر إلا أنها قتلت روح التهنئة ، فلم يعد لها ذلك الطعم الحقيقي عندما تخرج ندية من بين شفاه جار عزيز أو صديق محب ، أو حتى رجل لا تعرفه قابلته في الشارع فسبقته إليك ابتسامته وتهنئته الرقيقة . إن العيد مناسبة حقيقية لنستعيد من خلاله روح الإنسان الزكي الذي بداخلنا ، وأن نسعى من خلاله إلى إزالة الحواجز الدخيلة ، والأوهام التي تسكن النفوس التي أنهكها الركض في سبل الحياة . فقط .. لنستمتع بالعيد ، ولنمنح الآخرين فرصة الاستمتاع به ليس فقط بالمشاركة ، بل بنشر الفرح بالعطاء والابتسامة والتبسط والتواضع .. لكي يكون العيد عيداً حقيقياً . لمحة : أجمل ما في العيد أنه فرحة معنوية صادقة ليست للأغنياء ولا للأذكياء بل هي مناسبة شرعية ومعنى إنساني جميل يشترك فيه الغني والفقير و الكبير والصغير ، و المحظوظ فيه هو من يغترف من معين الأنس والفرح والأعمال الطيبة ما يغسل به هموم سنة كاملة . أحمد بن عبدالله أباالخيل [email protected]