موضوعٌ لطالما كنت أخشاه , وأتردد بل وأتهرب حتى من الخوض فيه !. حياةُ الفتيات وواقعهن ، جرحٌ نازفٌ مكشوف في جسد الأسرة والمجتمع . ورغم عمقه الغائر وألمه الثائر , لا نزال ننكره نتجاهله نتغافل عنه .. ولكن إلى متى؟! بتنا و رضوخا لكثير من الخيبات والآمال المكسورة التي تستوطن أرواحنا لا نبحث حولنا أو نتلمس إلا ما يروي ظمأنا إلى النور والبهجة والتفاؤل ، جافلين من زوايا العتمة و مواضع الحزن . نعلم أن هناك خطأ وقصورا فنهمل إصلاحه , ندرك أن في الأنحاء خطرا فنتقاعس عن الانتباه له و تلافيه , نغفل عن تطهير الجرح حتى يستشري الداء ويستعصي على الدواء . همومُ الفتيات : مشكلاتٌ نفسية وصحية وفكرية ، أزماتٌ أخلاقية واجتماعية ، ضياع , حيرة , انفعالات عاطفية لا تستقر أو تهدأ . واقعٌ مؤلم يبعث على التشاؤم مهما حاولنا تلوينه ! تقصيرٌ ديني في الفرائض والأركان , حبٌ وغزل وشذوذ , خواءٌ ثقافيّ وهزالٌ أخلاقي , ماديةٌ مفرطة وإدمانٌ على النوم والكسل والسلبية , اهتمامٌ بالتفاهات , استخدامٌ سلبي لمنتجات العصر والتقنية .. قد لا يعجب كلامي الكثيرون , ويرون أن ما أكتبه هنا ليس إلا نظرةً سوداوية أو مبالغة في تقييم الأوضاع , ولكن قبل أن تطلقوا الأحكام انظروا بواقعية وراقبوا عن كثب ! حاور ابنتك شقيقتك قريبتك اسألها عن عالم البنات وأسرارهن وأين وصل بهن الحال . الفتاة هنا ضحية تعاني الكثير وهي أول من يرفض واقعها ويعترف بانحرافه عن المسار الصحيح . وكثيرا ما تتمنى الخلاص والتغيير ولكنها أضعف من أن تنقذ نفسها لوحدها . ليست سعيدة بما تقاسيه من صراعات نفسية وتخبط وصدام مع محيطها وشعور بالعزلة . الكل ساهم في الوصول بها إلى هذا الوضع السيء ! تقصير الوالدين في الرعاية و التحصين بجرعة دينية معتدلة وتربية سليمة تقوم على الحوار والإقناع والتفاهم , وليس القهر والتسلّط والتقريع المستمر . غياب السياسة التعليمية والإعلامية الناجحة الهادفة التي تبني الشخصية المسلمة الواثقة المبدعة . غياب القدوة والوعي المجتمعي والرقابة الراشدة . ظلمٌ عظيم أن تُترك الفتاة في فراغ تام منذ طفولتها تحت قصف الفضائيات الهابطة ورسائلها التخريبية , تتجول بين الأغاني والأفلام والروايات المبتذلة , في بيئة لا توجيه ولا تشجيع فيها للثقافة والمعارف الأصيلة وشغل الوقت بما ينفع ويُمتع من قراءة ورياضة وممارسة للهوايات المحببة . و ظلمٌ أعظم أن تعاني الفتاة حرمانا عاطفيا شديدا وتنشأ في أسرة تفتقد الحب والدفء والرحمة . ثم بعد ذلك ندّعي الفجيعة إن حادت عن الطريق , ونبرئ أنفسنا ونلقي اللوم عليها وحدها ونجمع على اتهامها ومحاكمتها . أعترف أنني أرى الأوضاع في غالبها مؤلمة , ولكني لا أجرؤ يوما على القول أن الخير والجمال ونماذج الأمل لا وجود لها . فيشهد الله أنني أعرف من الفتيات من يسعد بهن القلب ويحيين في النفس بارقة الأمل . بنات الخامسة والسادسة والسابعة عشرة , يتنادين عبر الرسائل والاتصالات لصلوات الوتر والضحى وصيام البيض . فتيات يتناصحن بالحجاب والحياء والفضائل , أخريات يتناقشن ويتبادلن الأفكار والآراء حول الكتب والبرامج الجادة والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلادهن ووسائل النهوض بذواتهن و الفاعلية في خدمة وإصلاح أنفسهن وأسرهن و أوطانهن . أسرار البنات دموعٌ وآهات فمن يساعدهن على تحويل حياتهن إلى الضياء و دنيا البسمات . ريم سعيد آل عاطف