الذي حفّزني بداءة لتحبير هذا المقال بعد تردد دام طويلاً هو تلك الرسالة التي وصلتني عبر الإيميل من إحدى من وصفت حالها بأنها تترنَّح كما يترنح المكلوم وهي فتاة متزوجة حديثاً وتقول .. بأنها فشلت في إقامة علاقة طبيعية مع زوجها وأنها حاولت أكثر من مرة غير أن ركود المشاعر هو المسيطر على حالتها. وتقول بأن السبب أنها كانت تمارس العشق مع ابنة عمها قبل زواجها ولم تزل آثار هذه العلاقة تقبع في ذاكرتها عبر تجلّيات متدوّمة وبصورة متكررة .. تقول .. ما الحل وكيف الخروج من هذه الدوامة المؤلمة ؟! وهنا عبر هذه الإطلالة أحاول الوقوف على أبعاد هذه القضية وأسبابها وأضرارها وكيف النجاة من تبعاتها. مع انبجاس عالم الثقافة والثورة الحاسوبية أضحت البشرية تتلاقى بثقافتها وأطيافها وخيرها وشرها وتتلاقح الرؤى وتمتزج المعارف وهنا تكمن منظومة التواصل الذي من شانه أن يفرز عمق المشكلة فالمجتمع الذي نعيشه الآن بدأ يفرز طفرات وموجات من السلوك بين الفتيات لم نعتدها في الماضي في البيئات التقليدية حيث أن كل بيئة تحيطها أسوار مغلقة ومرجعيات محافظة ترفض الإندماج مع الآخر لا لمجرد السلوك وإخضاعه لقاموس الحلال والحرام وإنما لكونه غريباً وشاذاً عن البيئة المحيطة وهذا ما ورثه الأبناء عن الآباء والأجداد على مر السنين وتوالي العقود. ولا جدل أن هذا المخلوق الرائع وهذا الكائن الجميل الذي يخطف الألباب إن هو إلا كوم من المشاعر والأحاسيس تتشكّل متعاضدة لتكون مزيجاً هائلاً من العواطف والأحاسيس التي إذا اتجهت بها نحو فتاة مثلها فإن هناك عطب أساسي سيصيب الفتاة ويهدد حياتها الزوجية في المستقبل , وهذا ما يطلق عليه (( العشق بين الفتيات )) وهو محاولة يائسة لاسترجاع فِتات الكيان الأنثوي المجهد والمقموع تحت أنقاض المشاكل الأسرية والضغوطات النفسية وتشتت قطبي الأسرة الأب والأم أو أحدهما نتيجة لوقوع الطلاق بينهم أو لعدم وجود التفاهم مما ينتج عنه الخلل في الحياة الزوجية ويكون ضحية ذلك الأبناء, والعشق بين الفتيات أرى أنه شكل من أشكال التمرد على سجية النفس السوية وأسطع مواكبة لراهنية الذات الأنثوية التي تمتلئ جوانحها بالعاطفة والإحساس , لكن الخطأ هنا في كونها تمارس هذه العاطفة في نطاق الشذوذ عن القاعدة وهنا يكمن الخلل, وهذه العواطف مع ثورتها وعدم القدرة على التحكم بها فإنه من شأنها أن تفعل فعلتها في جوانية الروح وإذا لم تستشعر الفتاة فداحة السلوك والانعطافة غير السوية عندما تترك لألأة مشاعرها الغالية عرضة للنهب من فتاة أخرى تضارعها العشق وعنفوان الحب الخادع الخارج عن المألوف والطبيعي فالازمة في صميم القيم وهي تمس المبادئ وتطال مختلف السلوكيات والواجبات وهذا النموذج ليس بحاجة للكسر والإلغاء والإقصاء بقدر ما هو بحاجة إلى العلاج المكثف وحديث المصارحة مع الوالدين أو أحدهما وإعادة جانب التهذيب العاطفي والوجداني فالفتاة عندما يشتغل في ضميمتها فانوس الحب داخل فجوات لا مرئية فإنها قد تحيد به عن السياق الطبيعي زعماً منها أنها تمارسه لتجاوز أشواك الوسط الأسري والبيئة القلقة التي تعيشها, ولا بد في يوم من الأيام أن تسقط قشرة هذه العاطفة الخادعة لانفتاحها على دوامات متشابكة ومنفتحة على ضفاف القلق والألم والإثم والدافع إليها كيمياء عاطفية مشحونة بالتوتر والقلق والألم منفلتة من بين حزمة العواطف وتديرها عقلية مشائية غير متزنة. إن منطق الأنسنة لدى البنات يرنو بطبيعته إلى سلوك الأمور التي يشعرن معها بالراحة والدعة وتُسلّم نفسها وهواها إليه دون إعمال العقل والمنطق, وإذا كان لمثل هؤلاء الفتيات عذرهم يومئذ فلا عذر للجهات التعليمية والتربوية والأكاديمية ودور المدرسات والموجهات وأساتذة الجامعات في التنبيه لمثل هذا السلوك الذي قد يذهب بلب المشاعر لدى الفتيات ويقطف أحلى أحاسيسها ومشاعرها في مرحلة مبكرة جداً, ولا تسألن بعد ذلك عن حال القطاف قبل موعد الثمر وأوانه ؟! والدور الآخر يقع على الوالدين اللذين يجب عليهما ألاّ يكون مستوى التعامل مع ابنتهما على اعتبار العناوين السلوكية البارزة مثل طريقة اللباس والاحتشام فيه وعدم لبس النقاب في الأسواق وعدم إظهار كفيها ويديها أمام البائع ومحادثته , وعدم الرد على الهاتف قبل معرفة المتصل! ونحو ذلك مما ينبئ عن جمود المفاهيم والمرتكزات السلوكية في جانب التربية الأخلاقية على السياق التقليدي الممزوج بالعاطفة الحماسية المتشددة . فالواجب على الوالدين أن يجتازوا هذه المرحلة والولوج إلى داخل معتملات أحاسيسها وخطراتها وشجونها ومشاكلها النفسية والعاطفية والتطلع والكشف عن نوعية أفكارها ومدى إحساسها نحو بنات جنسها . فالعشق الذي يقع بين فتاة وأخرى إنما هو ضرب من النرجسية على نحوٍ يجيز للفتاة أن تعبر عن مشاعرها نحو الكائن المثلي خلافاً للطبيعة السوية, وهناك بعض البنات يفسرن هذا السلوك بأنه من قبيل الحب والحب من أولى درجات الإنسانية .. أقول نعم .. إن الحب يقع ضمن إطار السلوك الإنسانوي الذي هو الممارسة العميقة لمفهوم الإنسانية ولكن الحب الطبيعي يجسّد العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة وليس بين الفتاة وفتاة أخرى. أما العشق بين فتاة وفتاة فهذا ليس حب إنما هو مشروع في أولى درجات الإنحراف الأخلاقي المثلي تسوّغه بشراسة عواطف غير راكزة بمعية الإحساس الخادع والفطرة المنكوسة والقلب الفارغ والعقل المشائي فهذا السلوك إغراق للذاتية في لجج المشاعر من غير وعي أو إدراك بعواقبها أو نتائجها على المدى البعيد فالفتاة تمارس تذويب ذاتها وعاطفتها في بوتقة المتلقي وهي الفتاة الأخرى من غير أن يكون هناك استثمار فطري وطبيعي لهذه العلاقة . والحال أن الناظر في هذه العلاقات يلحظ أن الصورة المتبدّية تُظهر معنى العلاقة والمحبة والصداقة ومعاني الود والوفاء بينما يغور المعنى الحقيقي لهذه العلاقات وهو الارتداد إلى هوّة سحيقة بلا قعر من الصعب أن تجد الفتاة بعد هذه المرحلة عاطفتها الحقيقية ومكمن المشاعر الذي أضحت شتاتاً وعدم, والفتاة التي تتوغل في لُجج هذا السلوك المنحرف وتنحدر إلى مستوى العمق فإنه يعتاص عليها أن ترجع عنه أو تقلع وتتحرر من إسار هذه العادات المنحرفة وإن عاطفة أي فتاة تعد شأناً جوهرياً في حياتها وهي التي تميز شخصيتها وبمكنتها أن تسعدها أو تشقيها وما المضمون الذي من خلاله أصبحت تلك الفتاة تشكل عاطفتها وإحساسها وتوجيهها إلى فتاة أخرى تجعلها ملكاً لها دون غيرها! وهذه العلاقات من شأنها إذا تطورت أن تجعل الفتاة كالظل الشبحي الميت عديم الوعي دون إعمال لذائقة التفكير وقد أصبحت ضمن مجموعة البائدين في رصيدالحب والعاطفة. ومثل هذه العلاقات من شأنها أن تحدث جرحاً غائراً في قلب الفتاة من شأنه ألاّ يندمل, والفتاة التي تمارس هذا السلوك تشكو من هشاشة الفكر وضعف الهاجس نحو المخزون العاطفي الذي تختزنه فتعبث به عبثاً انحداريا من خلال الرغائب العاطفية وتستسلم لها بشكل تلقائي دون أن تفحص مضمونها وفحواها فالمشاعر متغيّرة سيّالة بدالة لاتستقر على قرار واحد فإذا هي ضعفت أمام هذه العلاقات فإنه من شأنها أن تعصف بهنائها وتجعلها تعيش في كنف القلق والإرتماض في حياتها المستقبلية فالعلاقات الغرامية بين الفتيات هي ضد المواضعات المنطقية والحسية ويتذرع البعض منهن بأنه أحساس وجداني وفورة عاطفية لا يمكنها السيطرة عليها بينما هي في الحقيقية ليست عاطفة وجدانية إنما بقايا شعور وأحاسيس تمردت على سجية النفس وطبيعتها ولابد للفتاة من تبني عقلانية الموقف تجاهها وإيقاف مدّها . إن مؤشر اشتكال هذه العلاقات بين الفتيات هو تأزم روح العاطفة لديها وعدم قدرتها على توجيه الإحساس الفطري نحو شريك حياتها في المستقبل. وتعثّر خطاها دون أن تصل إلى بناء عش زوجي تكاملي يجعلها تأنس في حياتها وتلوذ إلى الاستقرار الاجتماعي والنفسي فهذه العلاقات بما تضمه إلى كنفها من عواطف ومشاعر تخييلية تجعل الفتاة تعمدالى غزل عوالم خيالية من صنع خيالها المريض وحياكة العاطفة المتدفقة ونظم الإحساس والمشاعر المكبوتة على نحوٍ ينبئ عن عبثية غير واعية وخلل نفسي مكين . فهذه العلاقات تجعل الروح منبع العاطفة والإحساس تائهة مجردة من حالة الاستقرار فلاهي ملأته بنور الإحساس الصادق وأفعمت ولا هي جردته فأصبغت عليه الطمأنينة والدعة . (((فعلى كل فتاة سلكت هذا الطريق أن تنتبه إلى نفسها بألاّ تكون خاوية الفحوى والمضمون نخبٌ هواء لا يجدي فيها رقيةٌ أو دعاء )))! خالد بن علي الحسين