شاع في هذا العصر استخدامُ مفردات وألفاظ لأغراض غير ماكانت تُستعمل له قديماً ، ومن هذه الألفاظ :الشفافية ، والتي يُقصَد بها الآن الوضوح التام في المناقشات والمساءلات وغيرها . فالشفافية من مشتقات الفعل ( شفَّ ) ومُضارعُه (يشِفُّ ) فهو شافٌّ وشفاف ، قال الشاعر : ثوب الرياء يشف عما تحته فإذا التحفتَ به فإنك عار ِ والعري والتعري مما يأنف منه العرب ، ولا يقبله حتى غير العرب ممن يوجد في قواميسهم كلمات مثل الشرف والعفة والكرامة ! وكذلك ارتبط اللباس الشفاف بقصص وروايات وحكايات لاتخلو من مجون مقزز وهذا سبيل بعض روايات هذا العصر ! فالشفافية ولارتباطها بما سبق فإني لاأحبذ استعمالها ، وأفضِّلُ عليها مفردات أخرى ، فاللغة العربية ولله الحمد تزخر ببدائل عديدة تغني عن هذه المفردة ، فهناك المصداقية أو الصدقية ، وكذلك المكاشفة ، والمصارحة وغيرها. وبصرف النظر عن تفضيل لفظة على أخرى فكلها في نظري أراها مظلومة بوضعها في بعض الأحيان في غير موضعها ، فيرفع الكذابُ الخداعُ شعار المصداقية ، ويرفع ( ذو الضمير المستتر) لواءَ المكاشفة والوضوح ، وقد يدَّعي الأمانة والنزاهة اللصُ المحترف ، وهذا لعمري غاية التضاد والمخالفة . وقد صدق مَن قال : ما كان في ماضي الزمان محرَّما ً للناس في هذا الزمان مباح صاغوا نعوت فضائل لعيوبهم فتعذر التمييز والإصلاح فالفتك فن والخداع سياسة ٌ وغنى اللصوص براعة ونجاح والعري ظرفٌ والفساد تمدنٌ والكذب لطف والرياء صلاح سؤال يُلقى بقوة : هل تستطيع شفافية هذا العصر تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية ؟ فمثلا ً الرشوة يقال لها الرشوة ، واللص أو المختلس هو اللص والمختلس، والفساد فساد ويُحارَب ، والإصلاح والصلاح لايسميان بأسماء أخرى بل هما الإصلاح والصلاح ، ويُدعَمان ويُسندان . ولا يُلمَّع الفاشل ويوصف بالناجح، ويُهمَّش و( يُطنَّش) الناجح ويوصم بالفشل! إن تسمية الأشياء بغير أسمائها ليس ظلما ً لها في الحقيقة بل هو ظلم لمن يتصف بها فالصالح عندما يُسمى فاسداً يُظلم ، وعندما يُمنَع صلاحه وخيره من الانتشار فهذا الخير أيضا ً يُظلم . وكذلك الفاسد المفسد عندما يُسبَغ عليه أجمل الألقاب والأسماء فيقال له الشيخ أو المصلح والإصلاحي فإنه يُظلم كون هذه الألقاب مدعاة له للاستمرار في فساده وغيِّه بدلا ً من إيقافه عن فساده وذلك بتعريته و( تشفيف ) وتجفيف منابع فساده . * ماقبل الختام : إن قمة المكاشفة وأساس المصداقية أن يُقال للمحسن أحسنت ويُشكَر ، ويقال للمسيء أسأت ويُنهَر ، وإن لم يرتدع فبقوة الحق يُقهَر . * الختام : يقول الشاعر جبران خليل جبران : فسارق الزهر مذموم ومحتقَرُ وسارق الحقل يُدعى الباسلُ الخطرُ وقاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتهِ وقاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ . عبدالله بن إبراهيم بن حمد البريدي . [email protected]