في غرفة جميلة مُرتّبة ومُكيّفة؛ يقبع أحدنا خلف مكتبه، أو متكئاً على أريكته، وقد وضع رجلاً على رجل، وأرخى جسمه، وأمال برأسه، عابثاً بمسبحته،أو بأزرار جوّاله، وهو يحادثك ببرود عن برامج لطموحاته، ومشاريع لتطلعاته، وخططاً لأحلامه. هو يريد النجاة من النار (والعياذ بالله)، وأن يكون في الآخرة من ساكني الفردوس الأعلى (نسأل الله من فضله) ، ويود كذلك أن يظفر في دنياه بالمقدمة، وأن يصل فيها إلى أعلى القمة، وأن ينال بها أعلى شهادة، وأن يكون ذا مال وفير، وخير كثير، وصاحب مركب فاره، ومسكن فاخر، ومقام رفيع. لكنه لأجل ذلك؛ لا يحرك عظماً من عظامه، ولا ينمي خلية من خلايا فكره ،ولا يطور شيئاً في مسالك تفكيره، ولا يبذل نشاطاً في تحقيق مراده، ولو فتشته، لما وجدت لديه عناية صحيحة بتنمية قدراته، ولا اهتماماً واضحاً باستثمار أيامه، ولا استغلال زمانه. إنه يتحدث إليك وهو يندب حاله من جور الزمان، وظروف الأيام، كما يشكو إليك مؤامرات الحساد، ومكايد الأشرار. همّه الكبير، وشغله المستمر؛ البحث عن السنيد والمساعد في تيسير أموره، وتسهيل مطالبه ، وتحقيق رغباته ، والحصول على مراده. يضرب لك أمثلة عن أناس وجدوا المعين، وملكوا النصير، فساعدوهم في احتلال مكاناً غير مكانهم، وظفروا بمواقع لا يستحقونها، ولا مؤهلين بخصائصها ،ولا متأهلين لمتطلباتها. فكأن شعاره ، ولسان حاله، قول الشاعر: ناموا ولا تستيقظوا *** ما فاز إلا النُّوّم وتأخروا عن كل ما *** يقضي بأن تتقدموا إنه يعيش أوهام وتوهمات ، وخيالات وتخيلات ملأ بها كيانه ، وتشبّع بها وجدانه ، وهو يعلم أن المطالب لا تنال بالتمني، ولا تكتسب بالترجي، فلكل قول بيان، ولكل كفاح برهان . صاحبنا هذا حاله عجيب في رسم آماله، وأمره غريب في تحقيق طموحاته، فالزمان يمضي ، والقافلة تسير، ولن يفيده التشكي، ولا الأماني، لكن البلادة ستبقى معه ملازمة، والبؤس سيراه أمامه، والفشل منتهاه ومآله . فإن كان صادقاً في مبتغاه ، ومُصِرّاً على مرتجاه؛ فعليه أن يشعل فتيل الحماسة في داخله، وأن ينفض غبار الخمول والكسل عن جسمه، وأن يستيقظ من غفلته ، وطول غفوته، وأن يسابق كل من حوله ؛ بالعلم والتطوير، والكدح المرير، والجهد الغزير،وذلك في كل وقته، وفي جميع ليله، وفي نهاره. د.عبدالله سافر الغامدي