الفقر وصناعة الجريمة مع أن العدد أكبر وأكثر أكد تقرير وزارة الشؤون الاجتماعية الأخير للعام المالي 1427/1428ه، عن وجود 3 ملايين شخص تحت خط الفقر يستفيدون من مساعدات الضمان الاجتماعي، وهو رقم مثير ولم يسلم هذا التقرير من مناقشة حادة تحت قبة مجلس الشورى ومع أن اعداد الفقراء المتعففين لم يأتِ التقرير على ذكرهم، فإن أعداد الفقراء بازدياد كل عام، مادام المسؤولون في وزارة الشؤون الاجتماعية لم يضعوا مقياساً متجدداً لخط الفقر في المملكة، فمعظم دول العالم تضع لنفسها (خطاً) للفقر وخطاً للكفاف يتناسبان مع وضعها الاقتصادي والاجتماعي العام.. ويمكن تعريف «خط الفقر» بأنه مستوى الدخل الأدنى الذي يعد كل من ينزل تحته (فقيراً) أما خط الكفاف فهو المستوى الذي يعيش عنده المرء مستوراً كعامة الناس - وعلى أساسه يقرر الحد الأدنى للأجور وفي معظم الدول المتقدمة يتم تعديل خط الفقر كل عام أو عامين بما يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية الجديدة، لكن المسؤولين عن الفقر عندنا ليسوا فقراء لذلك لايدركون اهمية هذا القصور في تحديد وتجديد خط الفقر سنوياً. ومازال الجميع يعتمد على الدراسة الوحيدة التي قدمها الدكتور راشد الباز (أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود) أشارت الدراسة إلى أن خط الفقر للمواطن السعودي يبلغ 1120 ريالاً بالشهر -بعد احتساب أجرة المنزل- في حين يبلغ خط الكفاف 1660 ريالاً بالشهر عام 2005م، مع أنه خلال الخمس سنوات الماضية منذ إعداد دراسة الباز، حدثت موجة غلاء فاحش وارتفعت أسعار السلع وتدنت الدخول الشهرية وتم الاستغناء عن أعداد من الموظفين في القطاع الخاص وخسر قطاع كبير من الناس مدخراتهم في سوق الأسهم وتقدم خلال الخمس سنوات الماضية ألوف الخريجين الذين لم يجدوا حتى الآن وظائف في القطاعين العام والخاص، كل هذا يزيد من عدد العاطلين وبالتالي الفقراء وتراجع خط الفقر عن الحد الذي رسمته دراسة الباز، ورغم الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله لبعض الأحياء الفقيرة في الرياض وصدور الأمر الملكي بتشكيل لجنة لدراسة ظاهرة الفقر ووضع الحلول، واهتمامه الشخصي بحالة الفقر والفقراء، ومع أننا دولة نفطية بل أكبر دولة منتجة للذهب الأسود في العالم تتوقف حركة الاقتصاد العالمي على منتجاته الأولية! وليس من التصور أن منطقة يتسابق العالم من أجل الاستفادة من ثرواتها ويوجد بها من الفئات التي لا تجد مأوى أو تسكن في بيوت الصفيح. إننا نتحدث عن دولة حبيت بالخيرات والنعم التي تغطي حاجة الاقتصاد العالمي وبها أكبر منتجات البتروكيماويات في العالم -ولكنها لم تستغل بالطرق الصحيحة - إلا أن كل هذا لم يقلل من عدد الفقراء بحسب تقرير وزارة الشؤون الاجتماعية. والمشكلة ليست في ازدياد عدد الفقراء ولا في تدني خط الفقر، فالفقر خطأ مركب في وجوده ونتائجه، إن عواقب الفقر وآثاره السيئة ليست فقط على المجتمع بل وحتى على الأغنياء وعلى الدولة، أليس الفقر هو مصنع الجريمة والرذيلة، ألم يستعذ الرسول صلى الله عليه وسلم من الفقر حيث قال (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر)!! إن مساحة الشرور تزيد كلما زاد الفقر في مجتمع، يقول الإمام علي رضي الله عنه (لو كان الفقر رجلا لقتلته) لشدة عواقبه وما ينتج عنه من أخطار وخيمة، وكما تقول هيلين كيلر المتوفاة عام 1968م معجزة القرن العشرين (تستطيع إغلاق جميع السجون يوم تستطيع إيجاد عمل لكل إنسان)، إن الدولة التي يكون الفقر فيها مرشحاً للزيادة، ستكون الجرائم فيها مضاعفة ومتنوعة بين طبقات المجتمع. عبدالعزيز السويد