شهدت الأسواق العالمية والسعودية ارتفاعات متتالية لأسعار السكر بشكل لم يسبق له مثيل منذ أكثر من 30 عاما، حتى وصلت إلى 100 في المائة خلال العامين الماضيين. وعزا بعض تجار السكر والمحللين الاقتصاديين في المملكة ارتفاع أسعار هذه المادة الغذائية التي تدخل في كثير من الصناعات إلى عدة أسباب عالمية ومحلية. من الأسباب العالمية انخفاض صادرات الدول الرئيسة المنتجة لقصب السكر مثل البرازيل، الهند، وتايلاند بسبب سوء الأحوال الجوية. وفي المقابل زاد الطلب على مادة السكر في الأسواق العالمية، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين الذي أسهم أيضا في رفع تكلفة السكر. وقال المدير التنفيذي للشركة المتحدة للسكر المهندس محمد الكليبي إن السكر من السلع الحرة التي لا تطبق عليها أي رسوم جمركية في المملكة، ما يجعل سعر منتج السكر يتغير وفقا لأسعار الأسواق العالمية، كما تبذل وزارة التجارة والصناعة في المملكة جهودا كبيرة في متابعة الأسعار والتغيرات التي تطرأ عليها في الأسواق المحلية والعالمية بصفة مستمرة. وأشار إلى أن إنتاج البرازيل من السكر العام الحالي كان أقل من المتوقع، وذلك بسبب قلة كميات الأمطار التي أدت إلى خفض نسبة تركيز السكر الموجودة في قصب السكر وإعطاء البرازيل الأولوية لتغطية أسواقها المحلية، التي شهدت الأسعار فيها ارتفاعات غير مسبوقة. وأضاف أنه بالرغم من الزيادة الكبيرة المتوقعة في محصول السكر الهندي العام الحالي، إلا أن عدم وضوح الرؤية يظل هو المسيطر، حيث تراوحت أرقام الإنتاج المتوقعة بين 23 إلى 28 مليون طن سنويا، علما أن الاستهلاك المحلي للهند يصل إلى 23 مليون طن سنويا. وأوضح أن تغير الأحوال المناخية حول العالم أدى إلى تلف كثير من المحاصيل الزراعية، ومنها البنجر وقصب السكر، حيث كان هناك جفاف في روسيا وأوروبا والبرازيل، وفيضانات في باكستان والهند وتايلاند. وأشار إلى أن الدولار الأمريكي شهد انخفاضا حادا نظرا لتذبذب حالة الاقتصاد الأمريكي، ما أدى إلى ارتفاعات حادة ومتواصلة في أسعار الذهب وجميع السلع ومنها السكر. ويرى عدد من مستوردي السكر في المملكة أن الأسباب الرئيسة لارتفاع أسعار السكر هي العوامل الجوية والمناخية المتقلبة التي تركت أثارا مدمرة على المنتجات الزراعية في العديد من الدول كالفيضانات أو الجفاف أو البرد القارس، ما أثر على الزراعة، خصوصا زراعة السكر وإنتاجه. ويرى محمد أكرم، وهو مسؤول تجارة محلية في إحدى المؤسسات المستوردة للسكر في جدة، أن الارتفاع في الأسعار ليس طبيعيا بالنسبة لسلعة استهلاكية أساسية كالسكر. وأشار إلى أن المستورد يشتري السكر حسب السعر العالمي والبورصة العالمية. ويتوقع أكرم أن تعود أسعار السكر إلى حالتها الطبيعية تدريجيا خلال الأشهر الثلاثة المقبلة بنسبة 40 في المائة عن السعر الحالي. وشاطره الرأي عدنان محجوب مدير الاستيراد في مؤسسة محلية، فقال إن الأسعار ستعود إلى وضعها الطبيعي بالتدريج، حيث تحسن الوضع المناخي، ما يجعل الدول المنتجة والمصدرة للسكر تعود إلى العمل على زيادة إنتاجها لهذه المادة الأساسية المهمة وفتح سوق المنافسة، ما ينتج عنه تحسنا جيدا للأسعار مستقبلا. الأسعار تتجه للانخفاض وفي المقابل، يرى عضو جمعية الاقتصاد السعودي عصام خليفة أنه وعلى الرغم من المسببات والعوامل الخارجية التي ساهمت في ارتفاع الأسعار في السابق، إلا أن أسعار السكر تتجه عالميا نحو الانخفاض بشكل تدريجي، ولكنها محليا لا تزال متجمدة على وضعها السابق بدون تغيير. وقال «إن الأسباب التي ساهمت في ارتفاع أسعار السكر بشكل غير منطقي وعدم تأثرها بالانخفاض العالمي هو ضعف الإمكانات المادية والبشرية لوزارة التجارة، بالرغم من أنها المسؤول الأول عن حماية المستهلك ومراقبة الأسواق، وبالتالي عدم قدرتها على تطبيق الأنظمة والرقابة الفعالة على الأسواق، وأدى ذلك إلى استغلال بعض ضعاف النفوس من التجار المحتكرين للظروف العالمية والمحلية فبادروا إلى رفع الأسعار رغم أن لديهم مخزونا يكفي السوق لعامين مقبلين. دور وزارة التجارة ودعا خليفة، وزارة التجارة إلى التدخل لفرض رقابة على التجار والأسعار للمساهمة في إعادة الأسعار لوضعها الطبيعي. وقال إن تأثيرات الارتفاع في أسعار السكر بدأت في الظهور على أسعار المنتجات التي تعتمد على السكر، الذي من المتوقع أن يستمر ارتفاع أسعاره حتى نهاية العام. وفيما يتعلق بالحلول، قال خليفة إن هناك العديد من الحلول التي تسهم في الحد من ارتفاع أسعار السكر منها: أن تولي وزارة التجارة مهمة مواجهة جشع بعض التجار المحتكرين بإجراءات فعلية وقوية وبطرق مباشرة وغير مباشرة؛ لأن حرية الأسواق لا تعني أن تتحول هذه الأسواق إلى فوضى يمارس من خلالها التجار ما يريدون، بل تعني حماية الناس من جشع التجار، ووجوب كسر الاحتكار لبعض السلع الغذائية المهمة لحياة المستهلك. ويقترح خليفة زيادة معروض السكر من الأسواق الأخرى، الدخول في شراكات استراتيجية مع البلدان المنتجة للمواد الاستهلاكية الضرورية أو إنشاء مشاريع فيها لتلافي عملية تحكم تلك الدول في عمليات تصدير السلع للسوق المحلية من بينها السكر، وتحويل بوصلة الاستثمار إلى السودان أو جنوب أفريقيا كون أراضيهما من أكثر المواقع الخصبة والأقرب للمنتجات الاستهلاكية المطلوبة محليا، وذلك لوقف تأثير الأسعار وتقلباتها. استراتيجيات لبناء مخزون أما الدكتور حبيب الله تركستاني فيرى أنه يجب أن تكون لدينا استراتيجيات لمواجهة مثل هذه الظروف المحتملة، حيث قال إن السكر منتج استهلاكي استراتيجي، لذلك يجب علينا التحوط مستقبلا لمواجهة أي ظرف يطرأ على نقص حاد في مادة استهلاكية ضرورية كالسكر. ودعا إلى تكوين مخزون احتياطي استراتيجي كبير للمواد الاستهلاكية الأساسية لمواجهة أي نقص عالمي مستقبلا، حيث إن الولاياتالمتحدة كمثال لديها احتياط نفطي كبير جدا لمواجهة أي نقص عالمي، ونحن يجب علينا أن نفكر جيدا في بناء مخزون استراتيجي غذائي، وكذلك للمواد الاستهلاكية الأساسية حتى تحمينا من النقص العالمي. وأوضح أنه إذا كان هناك تعمد من بعض التجار لرفع الأسعار بطريقة غير مشروعة، فعندها يجب على وزارة التجارة العمل على آلية معينة تحمي المستهلكين وتعمل على الضرب بيد من حديد على كل من يتلاعب بأسعار مواد استهلاكية ضرورية.