حلمت بأن جدتي التي توفيت منذ فترة قريبة على فراش الموت، اقتربت منها وكما في الواقع حاولت أن أعرف إذا كانت لا تزال تعرفني " جدة : انا هناء بنت عبدالله، هل عرفتني؟ " استيقظتُ من النوم وحرقة الدموع لاتزال في قلبي .وجلست أفكر، في الموت والحياة، في كل الناس الكبار والصغار الذين يرحلون من حياتنا في حياتنا، في الموت الذي نعرفه جيدا، في الحياة كم هي قصيرة وتمر سريعا، وفكرت في أن الإنسان برغم معرفته بهذه الحقيقة الواضحة والصريحة والواقعية لايزال يغش ويكذب ويخدع ، لا يزال يمكن ان يصبح جبانا ونذلا . لكني أيضا فكرت في كيف يمكن للإنسان أن يتسامى عمن خدعه وغشه، كيف نصل لهذه المرحلة، أن لا يشغلنا التفكير فيمن كذب علينا ، فيمن سرقنا وظلمنا، اليس من المفترض أن نكون كذلك، أو على الأقل أكثر منطقية وواقعية، ماذا يمكن ان نستفيد لو أمضينا الليالي نشعر بأننا مغفلون لأننا جعلنا نذلا ما يضحك علينا، يسرقنا ويظلمنا وينظر في أعيننا ويكذب ..ماذا نستفيد سوى الشعور البغيض بأننا مظلومون، وهو شعور ليس بلطيف أبدا . كنت قبل ايام أعيش هذا الإحساس، الإحساس بالقهر والظلم والغبن، الإحساس بأني خدعت، وبأن عمري ومالي قد سرقوا مني، وبعدها بساعات قليلة عرفت ان قريبي الطفل أصيب بمرض مزمن ومرهق ومتعب، تخيلت صدمة أمه، تخيلت كيف هي الحياة غير عادلة، وشعرت بتفاهتي، بتفاهة المصيبة التي حدثت لي لقاء المصيبة التي حدثت لقريبي، لا اقصد المقارنة، لا أقصد ان أشعر بأني أفضل حالا بالمقارنة بحالته، اقصد أن على الإنسان ان يفكر بشكل اشمل، بشكل أعمق، أن يرى الحياة على حقيقتها، على قصرها، على المعنى الحقيقي لها .أن يتأمل كل الذين يرحلون عنها، أن يفهمها، ماذا تعني كل هذه الصغائر، كل هذه التفاهات التي نفكر بها ..ولا أدري إن كنت قادرة على الوصول إلى حد الشفقة على من يخدعني أو يظلمني او يسرقني، لكني ادرك ان عقله محدود وتفكيره قاصر، واننا نعيش مرة واحدة، ومرة قصيرة، لذلك لا يجب أن نحياها ونحن مخادعين أو انذالا ... د / هناء حجازي