تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النَبَوِيّ الشريف في المدينة الْمُنَوَّرَة، الشيخ عبدالبارئ بن عواض الثبيتي، عن رحمة الله تعالى في تسخير المنافع للعباد، وأن من هذه المنافع تمكين المسلم من الاستمتاع بطيبات الحياة التي حللها له، قَالَ صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً)، وقال تعالى: ((قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون)). وقال فضيلته في خطبته التي ألقاها اليوم في المسجد النَبَوِيّ: إن رسول الله صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا إلى إظهار ما في الدين من فسحة لمتع الحياة التي ترفع طاقة النفس وتحفزها للعمل، مُشِيرَاً إلى أن النبي صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين شاهد الحبشة يلعبون قَالَ: (لتعلم يهود أن في ديننا فسحة)، وقال علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكم). ويقول علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلب إذا أكره عمي). وعن أبي الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (إني لأستجم قلبي باللهو المباح ليكون أقوى لي على الحق). وقال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لحنظلة: (يا حنظلة ساعة وساعة). وقال عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: (كان القوم يضحكون والإيمان في قلوبهم أرسى من الجبال). وبين فضيلة إمام وخطيب المسجد النَبَوِيّ أن هذا الاستمتاع لا يضعف إيمانهم، ولا يفسد الأخلاق، ولا يتعدى على أوقات الصلاة والعبادة وذكر الله، مُفِيدَاً أن استمتاع المسلم بما سخره الله تعالى له من المنافع والخيرات مبني على مبدأ التوازن ويُغذى بالاعتدال. وبين فضيلته أن هذا الاستمتاع يجعل النفس تعيش فطرتها وتستمتع بما أباح الله وإشاعة السرور والبهجة خَاصَّة في مناسبات الأعياد وغيرها من المناسبات، مُشِيرَاً إلى أن المرء يثاب ويؤجر حين يمارس متع الحياة في إطار الشرع، وقواعد الدين، قَالَ صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَفِي بِضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ يَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ). وأَوْضَحَ أنه كلما قرب العبد من الله عاش متعة الحياة وتلذذ بها وهي ثمرة لعمل الصالح، قَالَ جل من قائل: ((من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة ً طيبة ولنجزينهم بأحسن ما كَانُوا يعملون))، مُضِيفَاً أن أعظم جانب للمتعة لزوم الاستغفار الذي به تتحقق الخيرات والبركات قَالَ تعالى: ((فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنَهَارَاً)). وقال فضيلة الشيخ الثبيتي: إن المتعة في حياة المسلم رحبة المعنى، واسعة المفهوم، تنشأ من أهداف سامية، وترتبط برسالة الدين وأخلاقه وآدابه، مُشِيرَاً إلى أن المسلم يعلم أنه مهما طالت الدنيا فهي إلى زوال. وبين فضيلته أن المتعة وسيلة لتأدية الرسالة، وليست غايةً بذاتها قَالَ تعالى: ((قل متاع الدنيا قليل))، وقال جل وعلا: ((وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع))، ومضى بالقول: إن المسلم كلما تذوق من نعيم الدنيا ومتعها تبادر إلى ذهنه متع الجنة ونعيمها فيحث الخطى شوقاً إليها. وعدَّ فضيلته إدخال السرور والفرح على قلوب الضعفاء، ورسمها في وجوههم، والسعي في حوائج الناس لهي متعة وأي متعة، جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال يا رسول الله، أَي الأَعْمَال أحب إلى الله؟ قَالَ: (سرور تُدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً). وَأَشَارَ فضيلته إلى أن من متع الدنيا نعمة البنين والإخوة والأخوات فهم أنس وصلاحهم غنيمة وقوة، هم زينة الحياة الدنيا وبهجتها وكمال السعادة وأساسها، وتزهو المتعة بالنفس حين يحقق المرء إنجازاً ويعمل نجاحاً ويقطف ثمرة تفوُّق، كما يعيش أجل متعة بعد الفراغ من العبادة فيفرح في الصيام عند فطره، وبالصلاة بعد أدائها، وفي الحج بعد أداء النسك، وتتعمق المتعة في حياة المسلم بالرضا بالقضاء والقدر، واليقين بالله تعالى في كل ما حكم وأمر. وقال فضيلة إمام وخطيب المسجد النَبَوِيّ الشريف، الشيخ عبدالبارئ بن عواض الثبيتي: إن العاقل يقدر متع الدنيا بقدرها، فلا يغيب عن ذهنه في أَي حال موعود الله مهما بلغت زخارف الحياة وراجت، قَالَ تعالى: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا لَهْو وَلَعِب وَإِنَّ الدَّار الْآخِرَة لَهِيَ الْحَيَوَان لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). والعاقل يحذر المتع الزائفة التي تورث الحسرة والندامة، فالمعصية عاقبتها ذل وهم وألم، وما زالت عن أحد قط نعمة إلا بشؤم معصيته، فإن الله إذا أنعم على عبد نعمة حفظها عليه ولا يغيرها عنه حتى يكون هو الساعي في تغييرها عن نفسه، وأي حسرة أشد من متعة تورث غضب الله وسخطه، قَالَ الله تعالى: (ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ).