احتاج الاقتصاد الإسلامي وأصول المصرفية الإسلامية إلى الكثير من السنوات كي يدرك الناس صواب نظرتهما نحو العديد من القضايا المالية العالمية، ورغم أن فترة الأزمة المالية العالمية شكلت فرصة مميزة للتأكد من تلك المعطيات، إلا أن المسار لم يكن سهلا في البداية. فنظرا لوجود أبعاد شرعية عميقة في تحليل المعاملات المالية من جهة ولافتقاد المسلمين لعقود إلى اللغة الاقتصادية التي يمكنهم من خلالها شرح وجهة نظرهم لعلماء الاقتصاد تشكل حاجز معرفي استمر لعقود بين محللي الاقتصاد العالميين ونظرائهم الإسلاميين، إلا أن انتشار التعليم وتطوير لغة مشتركة تسمح بالفهم المتبادل للمعطيات أتاح المجال لمعاجلة ذلك، إلى جانب التطورات السياسية التي دفعت بعض الدول لتطبيق أصول الاقتصاد الإسلامي وإعادته إلى الحلبة الدولية. ويقول الدكتور عباس ميراخور، أحد أبرز الذين عملوا في مجال الاقتصاد الإسلامي دوليا وضمن صندوق النقد الدولي، إن خبراء الاقتصاد الدولي كانوا يعتقدون باستحالة وجود نظام مالي إسلامي لأنهم كانوا يرون استحالة قيام نظام ليس فيه فائدة ربوية، وقد دفعهم هذا إلى السخرية من إمكانية حصول ذلك معتبرين أن نظاما كهذا سيكون "اقتصاد الفودو" (نوع من أنواع السحر) باعتباره لا يقوم على قواعد حقيقية. ويضيف ميراخور أنه مع حلول منتصف العقد الثامن من القرن الماضي، وتوجه إيران وباكستان والسودان نحو نظام إسلامي للتمويل والصيرفة، وقيام تلك الدول بعرض تفاصيل خططها، بدأت تظهر الاعتراضات الواقعية المقدمة من خبراء الاقتصاد الرأسمالي والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية: أولا: السماح بوجود قروض دون فائدة سيفتح الباب على طلب كبير للقروض يقابله غياب كامل للعروض، بمعنى أن كل الناس سترغب بنيل قروض لأنها زهيدة التكلفة إذ لا فائدة عليها، بالمقابل سيمتنع أصحاب المال عن الإقراض لعدم استفادتهم من ذلك. ثانيا: النظام المالي الذي يعتمد على قروض دون فائدة لن يتمكن من الموازنة بين العرض والطلب، كما أن غياب الفائدة سيعني غياب الادخار في المجتمع، وبغياب الادخار لن يكون هناك استثمارات ولا تنمية. ثالثا: في النظام الذي يغيب فيه الربا لن تتمكن الحكومات من ممارسة أي سياسة نقدية لأنها ستفتقد الأدوات المالية. رابعا: الدول التي تطبق مثل هذا النظام ستفقد القدرة على اجتذاب أموال من الخارج، أما رؤوس الأموال الموجودة بالداخل فستفر مغادرة السوق المحلية. ويلفت ميراخور إلى أنه بحلول عام 1988، كان خبراء الاقتصاد قد تمكنوا من استخدام آليات التحليل المالي والاقتصادي الحديثة لإثبات عدم صحة تلك الانتقادات للأسباب التالية: أولا: يمكن إقامة نظام مالي مصمم دون سعر ثابت للفائدة، بل إن الأبحاث الحديثة أثبتت عدم وجود نظرية قادرة على تقدم تفسير مقنع يشرح سبب وجود معدل فائدة اسمية. كما أثبتت الأبحاث أن عدم وجود فائدة ثابتة على المال لا يعني بالضرورة أنه بعد انتهاء القرض لن يحقق صاحب الأصول المالية أي عائد. ثانيا: العائد على المال في الاقتصاد الإسلامي ينتج عن العوائد الفعلية المتحققة في القطاعات التي جرى فيها استثمار المال. وبالتالي فإن الاستثمار ليس مرتبطا بالفائدة بل بالعائد المتوقع للاستثمار، وهذا العائد هو ما يدفع الناس لاختيار الاستثمار أو الادخار، ولا ضرورة بالتالي لربط كل هذه العوامل بالفائدة الثابتة. ثالثا: غياب الربا سيعزز نمو الاقتصاد، ولن يمنع الحكومات من امتلاك أدوات مالية إذ بوسع الخبراء تصميم أدوات مالية يمكن للسلطات اللجوء إليها لإدارة السيولة. رابعا: لا مبرر للاعتقاد بأنه في غياب الفائدة المحددة مسبقا ستقوم رؤوس الأموال المحلية بمغادرة السوق إذ يمكن اجتذابها من خلال العائد المتوقع على الاستثمار بالمشاريع. ويضيف ميراخور، في محاضرة سابقة له، أن الخلل الموجود في النظام الرأسمالي القائم على الفائدة كان قد لفت انتباه عدد كبير من خبراء الاقتصاد، وبينهم الأمريكي هايمن مينسكي، الذي رأى أن النظام الرأسمالي سيعاني من أزمات دائمة بسبب التفاوت الذي لا يمكن معالجته بين الالتزامات المالية، فهناك الودائع، وهي عبارة عن قروض قصيرة الأجل، والأصول، وهي عبارة عن استثمارات طويلة الأجل، ما سيخلق حالة مستمرة من السباق بين المصارف على رفع الفوائد لاجتذاب الأموال بما يفتح الباب أمام الأزمات. كما سبق للاقتصادي المعروف بجامعة شيكاغو، لويد ميتزلر، أن قدم في العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي مقترحا لإقامة نظام اقتصادي للتعاقد بديل عن النظام الحالي يقوم على أساس "القيمة" وليس "الدين"، مؤكدا أن هذا سيسمح بقيام نظام يتجاوز أزمات النظام المصرفي الحالي. وفي عام 1985 قدم الباحث الاقتصادي محسن خان دراسة باتت ضمن أبرز الدراسات التاريخية التي نشرها صندوق النقد الدولي، عرض فيها للتشابه الكبير بين ما طرحه ميتزلر وبين الأصول المالية الإسلامية.