ما سرّ هذا التسارع الذي نراه في الصبح بوجه وفي المساء بوجه آخر ؟ لماذا يتمّ القفز على شرع الله وقيم المجتمع من خلال هذه الفعاليات الترفيهية التي أصبحت بين عشيّة وضحاها تغطي الكثير من مناطق المملكة !؟ هل سئمنا عيشة العفاف ونريد أن نجرّب عيشة الخنا والانفلات !؟ هل فعلاً بطرنا رغد العيش ومللنا النعمة التي وهبنا الله وأصبحنا نشعر بالحاجة للتغيير !؟ هل ينطبق علينا ما حكاه الله عن بني إسرائيل حيث قال جل وعلا: { وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثّائها وفومها وعدسها وبصلها } ؟ والذين ردّ عليهم البارئ بقوله تعالى: { قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير }؟ وهو تقريع وتوبيخ لهم على ما سألوا من هذه الأطعمة الدنيئة مع ما كانوا فيه من العيش الرغيد والطعام الهنيء الطيب النافع. هل مللنا من الأمن الذي نعيشه وهل غرّنا حلم الله علينا فتطلّعت نفوسنا للتغيير السلبي الذي عادة تحيق مآلاته الوخيمة بمن حارب الله بالذنوب والمعاصي !؟. ألم نقرأ قول الباري جلّ في علاه: { وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنةً مطمئنّةً يأتيها رزقها رغداً من كلّ مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون }؟. إنّ المعاصي والفواحش إذا كثرت من خلال اختلاط النساء بالرجال وحضور الجنسين لفعاليات يقوم بها السفهاء من الناس سواءً أكانوا من داخل البلاد أو من خارجها وما يحصل خلال ذلك من رقص وهزّ للأكتاف والأرداف وتصفيق وصفير وما إلى ذلك إنّه والله نذير شؤم وهو من أعظم أسباب النّقم لأنّ الله يغار عندما تُنتهك محارمه. يقول المولى جلّ في علاه : { وإذا أردنا أن نُهلك قريةً أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميراً }. ثمّ انظروا إلى خاتمة السوء التي ختم الله بها لأهل البطر ممن قبلنا. يقول تعالى: { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تُسكن من بعدهم إلا قليلاً وكنّا نحن الوارثين }. يا من تتفيؤون ظلال الأمن وتنعمون برغد العيش، يا من غرّكم حلم الله وإمهاله لكم ، ألا تخشون أن يتحقق فيكم قول الله تعالى: { وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعُم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون }؟. لقد وهب الله بلادنا نعماً لا تُحصى ولا تُعد كرماً منه وفضلاً. لقد أبدل الله خوفنا أمناً وذلّنا عزاً وفقرنا غنىً حين طبّقنا كتاب ربنا وسنة نبيّنا في غالب جوانب أحوالنا فأكرمنا الله رغم أنّ بلادنا في غالبها صحارى قاحلة ومناطق جبلية لا تصلح للحرث والزرع. إنّه ليس بيننا وبين الله نسب ولا سبب إلا هذا الدين فإن أقمناه كما ينبغي صلُحت أحوالنا، وإلا فلننتظر العقوبة حتى وإن كان بيننا بعض الصالحين. سألت أم المؤمنين زينب – رضي الله عنها – رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنهلك وفينا الصالحون ؟ ) ( قال: نعم إذا كثُر الخبث ). ثمّ انظروا إلى دِلالة هذه الآية العظيمة وما تحمله من تهديد للمتخاذلين عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : { واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة }. ثمّ تأمل هذا التهديد العظيم في قول من لا ينطق عن الهوى : ( والذي نفسي بيده لتأمرُنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثمّ تدعونه فلا يُستجاب لكم ). ثمّ لِنعلم أنّ هناك فرق بين الاختفاء بالمعصية وبين عملها والمجاهرة بها أمام الناس. الذي يقترفها خفية لا يضر إلا نفسه، أما من يجاهر بالمعصية فإنّ العقوبة تلحق بالجميع إذا لم يعملوا على وقفها. قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: ( كان يُقال : إنّ الله تعالى لا يعذّب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عُمل المنكر جهاراً استحقّوا كلّهم اللعنة ). أيها المسؤول- أياً كان منصبك .. استحضر قول حبيبك وقدوتك صلى الله عليه وسلّم: ( كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته … ) ثم استشعر وقوفك بين يدي ربك فريدا وحيدا عُرياناً وقد ذهب عنك المنصب والجاه وزالت الألقاب وسيسألك الواحد القهّار عن كلّ صغيرة وكبيرة { يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً }. يقسم الباري جلّ في علاه أنّه سيسأل الجميع عمّا قدّموا من أعمال في هذه الحياة الدنيا { فوربّك لنسألنّهم أجمعين عمّا كانوا يعملون }. المصير سيكون نعيم دائم في جنّة عرضها السماوات والأرض أو شقاء مقيم في نار حرّها شديد وقعرها بعيد ووقودها الناس والحجارة. أيها الكاتب والمفكر، قد مكّنك الله من مخاطبة الناس واستمالة عواطفهم وإقناع قطاعٍ كبيرٍ منهم من خلال ما آتاك الله من علم وحُجّةٍ فاجعلها حجة لك لا عليك. لا يكن همّك إرضاء الناس بل اعمل جاهداً لنيل رضى ربّ الناس. ابذل ما تستطيع في نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة وأبشر بالجائزة العظيمة يوم تقف بين يدي مولاك وخالقك للحساب. أيها الوالغ في الذنوب والمعاصي، اذكر وقوفك بين يديّ الله حين تُنصب الموازين وتتطاير صحف الأعمال وتدنو الشمس من الرؤوس ويُجاء بجهنّم لها سبعون ألف زمام مع كلّ زمام سبعون ألف يجرّونها. تخيّل نفسك وأنت تنتظر كتابك هل تأخذه بيمينك أم بشمالك؟. إنه والله موقف تشيب له مفارق الولدان. وبعد ذلك اليوم الرهيب يكون الانصراف إلى إحدى الدارين. نسأل الله أن يعفو عنّا. أيها المصلحون ضاعفوا جهودكم في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة واعلموا أنّكم من الأسباب العظيمة لدفع البلاء عن الأمة لأنّ الباري جلّ في علاه قال: { وما كان ربّك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون }. وقال تعالى: { أنجينا الذين ينهون عن السوء }. استحضروا وصية لقمان لابنه والتي حكاها الله في محكم التنزيل: { يا بنيّ أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إنّ ذلك من عزم الأمور }. على كلّ غيور وكلّ مواطن صالح وكل مقيم شريف يعيش على ثرى هذه البلاد الطاهرة أن يسعى جهده – كلّ بحسبه – في تطبيق شرع الله في نفسه ومن ولّاه الله أمره، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في حدود استطاعته وبالتي هي أحسن. ولعلنا نستحضر قول الحبيب صلى الله عليه وسلّم: ( من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ). فلنتدارك الأمر قبل الفوات. اللهم أبرم لهذه الأمّة أمراً رشداً يُعزّ فيه أهل طاعتك ويُذلّ فيه أهل معصيتك ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر. اللهم احفظ بلاد الحرمين من مكر الماكرين وكيد الكائدين ووفق وُلاة أمرها لما فيه صلاح البلاد والعباد إنّك سميع مجيب. أحمد بن محمد الغامدي