ذهب رجل إلى السوق ليشتري خروفاً للعيد وعاد به، غير أن الخروف شرد منه ودخل أحد البيوت ليقابله الأطفال بالفرح والتهليل ويقولون (لقد جاءنا خروف العيد يا أمي.. فتنهّدت الأم وقالت بمرارة الأرملة: (إن الذي كان سيشتري لكم خروف العيد تحت التراب)، ويلج الرجل وينظر إلى الأطفال اليتامى فرحين وإلى أمهم بعدما سمع مقولتها وهي حائرة، لتبادره وتأمر الأطفال بأن يساعدوه على إخراج خروفه من البيت. فيقف الرجل ثُم يعود أدراجه ويقول للمرأة : إن الخروف قد وصل أهله وهو عيد للأطفال اليتامى، وينصرف ويعود إلى بيته ليأخذ مبلغاً زهيداً متبقياً معه ليشتري به خروف عيد بدل الأول، فيصل الباب مع وصول شاحنة فيها خرفان، فيسأل صاحب الخرفان ويقول له: ما ثمن الخروف؟.. فيرد عليه البائع بأن ينتظر دقائق حتى يتم إنزال الخرفان من الشاحنة إلى الأرض. ثم يتقدم الرجل إلى أحد الخرفان، فيسأل عن ثمنه فيؤكد البائع على الرجل هل هذا الخروف هو الذي يعجبك وتريد شراؤه؟! فيقول له الرجل: قل لي بكم وبعدها أفكر؟ فيكرر البائع الأمر فيقول الرجل نعم هذا هو الخروف الذي أريد شراءه، وهو غير واثق، إنما يريد أن يعرف الثمن.. فيرد البائع على الرجل بأن يأخذ الخروف بدون ثمن، فيقف الرجل حائراً ويظنّه يسخر منه، غير أن البائع يؤكد للرجل على الأمر حيث إن أباه قد أوصاه بأن يهب أول خروف يتم اختياره من القطيع بدون ثمن صدقة لوجه الله تعالى). وهكذا رزق الله العائلتين، والأجر والجزاء من جنس العمل، فما يزرعه الإنسان في ماضي حياته يحصده في مستقبلها مهما كان قلّ أو كثر، لكن الإنسان ينسى أو يتناسى، فالله سبحانه وتعالى لا يضيع عنده شيء أبداً (وما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).. ووجوه الخير كثيرة ومتعددة، لكننا لا نراها ولا نشعر بها إلا إذا بحثنا وكانت قلوبنا عامرة بالإيمان، ونحن لا ندرك ولا نشعر بلطف الله بنا إلا في الأزمات والمواقف والمحن التي يمنحنا الله إياها، منحاً للعبرة والتقوى والعظة والدروس. وفى المقابل فإن الزرع الخبيث السيئ من الإنسان سوف يجني جزاءه في الدنيا قبل الآخرة، فكم من أناس بطروا معيشتهم في حياتهم الدنيا واستعلت نفوسهم وعلو واستكبروا استكباراً على ما كانوا فيه من النعم، فأذاقهم الله الحرمان والألم والوحدة والحسرة، جزاء ما فرّطوا وأسرفوا واستهزؤوا، ولم يستشعروا ما كانوا فيه من فضل.. (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ). وكذلك حال بعض الناس الذين لا يشعرون بقيمة النعم إلا بعد فقدها والحسرة عليها وتراهم في حال غير الحال بعدما فرّطوا فيها وأساءوا إلى أصحابها وبطروا معيشتهم واستمرءوا الكذب والافتراء وبخسوا المنعم حقه وواجبه ثم صحوا من غفلتهم على فاجعة غياب ولي نعمتهم بعد أن ضاق ذرعاً بصنيعهم وجحودهم وخستهم إذ عرف بعد زمن أنه كان يُكابر ولا يُدرك بأنه يزرع أرض بور لا تثمر إلا خبثا.. ولقد دفع الذين بطروا النعمة ثمن بطرهم وادعاءاتهم وأكاذيبهم الباطلة وتطاولهم على أولياء نعمتهم ونكران جميلهم وشعروا بمرارة فقد الظهر والسند بعد أن تخلى عنهم من كانوا يناصرونهم ويبذرون الحقد والجشع في نفوسهم ويطمعون فيما عندهم.. (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ). ليت الناس يدركون أن ما تزرعه خبثاً لأخيك وما تحفره من حفرة له سوف يوقعك الله فيها وتذوق وبال ما زرعت وخططت، فالسهم يرتد على الرامي المخادع، والسحر ينقلب على الساحر.. (إنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ). [email protected]