لا يختلف اثنان أن التقنية – بمفهومها الواسع – تقوم اليوم بدور أساسي في بناء حضارة المجتمعات حول العالم، فبها تزداد الدول قوة وتقدماً، وبدونها تعيش في خور وتخلف. ولنا في العالم العديد من الشواهد على ذلك، فالولايات المتحدةالأمريكية عاشت فترة نهضة ذهبية في تسعينات القرن الماضي عندما تمكنت من إعمال التقنية الحديثة في عملياتها الصناعية والعسكرية والعلمية. فوصول الفضاء والتجول بين الكواكب، واستشراف الأحوال الجوية، وقيادة الطائرات بدون طيار، وتحويل الشمس إلى طاقة، وغيرها من الثورات العلمية لم تتأتَ لولا وجود تطور تقني مبهر. وفي السعودية نعيش اليوم على بداية قرع طبول النهضة والتطور؛ استعداداً لعصر مختلف سيعيشه السعوديون خلال عقد من الزمان بإذن الله. ولكن بطبيعة الحال فهذا الأمر يتطلب إيجاد بنية تحتية تقنية مستعدة لهذه النهضة، وتشتمل على عدة خطوات مهمة هي: الاهتمام بالتعليم التقني فالجيل الذي ينهض كل صباح للجلوس في مقاعد الدراسة هو من سيقود وزارات هذا الوطن في المستقبل؛ لذلك غرس المعرفة التقنية فيه من آكد الأمور التي ستجعل التقنية جزءاً لا يتجزأ من حضارتنا مستقبلاً. وللأسف نجد اليوم العديد من طلاب المدارس والجامعات من لا يعرف كيف يستخدم جهاز الكمبيوتر بشكل سليم، وهو الجهاز الذي أصبح حجر زاوية في أي منظمة من قطاعات الوطن الثلاثة اليوم. يجب على وزارة التعليم ابتداءً الاهتمام بشكل أكبر في مناهج التعليم، بتطوير منهج الحاسب الآلي، وإضافة مناهج أخرى تشمل البرمجة والتصميم والأمن الإلكتروني ونحوها. كما نرجو من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تفعيل البرامج التدريبية الصيفية في لجان التنمية الاجتماعية لتقدم دورات تقنية للطلاب والطالبات في إجازة الصيف. ولا ننسَ أن كليات التقنية في كافة أنحاء المملكة تقدم برامج تدريبية متميزة في التقنية خلال فترة الإجازة الصيفية، ولكنها تحتاج إلى المزيد من التحسين والتطوير، وأن يتم تقديمها طوال العام، وقد كنت أحد الذين استفادوا منها في فترة من الفترات. تبني الحكومة للتقنية بدأت أكثر الوزارات خلال السنوات القليلة الماضية بتفعيل الخدمات التقنية داخل أروقتها بشكل رائع وملحوظ، وقادت هذا الأمر وزارة الداخلية بخدمات موقعها الإلكتروني المتميز. ولكن يبقى المأمول أكبر؛ فلا تزال العديد من الوزارات والهيئات وغيرها من مؤسسات الدولة تقوم عملياتها على الورقة والقلم، كما هو الوضع فيها منذ عقد مضى. فوصولنا إلى رؤية 2030 يستدعي من الدولة أن تقوم بتوجيه جميع مؤسساتها إلى تطبيق التقنية في جميع معاملاتها وإجراءاتها. بل وإنشاء جائزة سنوية لأفضل هذه المؤسسات. الاستثمار في التقنية مع بزوغ فجر الرؤية تم إنشاء أكبر صندوق سيادي استثماري في العالم، ومن أوائل الاستثمارات التي تمت به هو شراء حصة من شركة Uber؛ وبهذا تتجلى لنا الرؤية أن التوجه نحو الاستثمار التقني بدأ بالفعل ولله الحمد. ولكن نرجو لتحقيق هذه الرؤية أن يتم بالفعل دعم الاستثمارات التقنية المحلية، سواء بإيجاد كيانات جديدة أو دعم كيانات ناجحة، وتوفير الاحتياجات لها. وذلك عبر إنشاء العديد من مسرعات الأعمال والمزيد من حواضن الأعمال في أنحاء المملكة.