جاء في صحيحي البخاري ومسلم أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : (( يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك – أي سمعوه وتعلموه – فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتي فيه تعلمنا مما علمك الله ، فقال عليه الصلاة والسلام: اجتمعن يوم كذا وكذا ، فاجتمعن فجاء صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله )). وقد ترجم البخاري للحديث بقوله: "باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الرجال والنساء مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل" قال المهلب: مراده أن العالم إذا كان يمكنه أن يحدث بالنصوص، لا يحدث بنظره ولا قياسه انتهى. فالعالم حين يقصده طلابه لمعرفة أمور الدين، فمن الأمانة أن يعلمهم ما صح نقله وثبت فضله. وخير العلوم ما نسب إلى الكتاب والسنة، وخرج من مشكاتهما، ففيهما الفلاح والنجاح في الدارين، وبهما النجاة والخلاص من الشبه ومواقع الفتن. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولوا العرفان ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فلان لذا كان من توفيق الله لهذه السائلة أن قالت: "تعلمنا مما علمك الله": أي طلب العلم من مصادره الأصلية، ومعينهما الصافي، لا من ديوان الشرق والغرب. هذه المرأة السائلة لم تذكر باسمها في روايات الحديث، فليس القصد الشهرة والبروز، بقدر المعرفة وتسجيل المواقف المتميزة في تاريخ المرأة المسلمة، قال ابن حجر: وقوله "جاءت امرأة" لم أقف على اسمها، ويحتمل أن تكون هي أسماء بنت زيد بن السكن". وهي وافدة النساء كما ورد في كتب التراجم وسميت بخطيبة النساء، وبلغ عدد أحاديثها التي روتها ( 81 ) حديثاً وهي الثالثة بين النساء بعد عائشة وأم سلمة رضي الله عنهن في رواية الحديث، وكانت تسأل عن أمور دينها لا سيما في أمور النساء، ومن ذلك أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة رضي الله عنها فسألته عن غُسل المحيض فقال: ((تأخذ إحداكن ماء وسدرتها فتطهر بها فتحسن الطهور)) رواه البخاري . وافدة النساء تحدثت بلسان بنات جنسها، وطالبت بحق المرأة المسلمة الحريصة على دينها، المؤمنة المستسلمة لحكم الله، والمتبعة للشرع، كانت تسأل عن طلب العلم، وحرصت على مجالس الخير، فلما تعلمت عملت، ولما فقهت استجابت. وافدة النساء لم تطالب بحقوق مزعومة، وما خرجت من بيتها لطلب قيادة أو وزارة، بل جل اهتمامها، تحصيل الأجر، ومرضاة الرب. ومما يذكر لها ويشكر تخصصها في أسئلة النساء، واهتمامها بقضاياهن، وهذا من الإيجابية والقيادة المجتمعية. ومما يستفاد من الحديث تخصيص النساء بوقت، لتعليمهن وموعظتهن كما استجاب النبي صلى الله عليه وسلم لرغبة النساء، ووعدهن يومًا يأتيهن فيه فوَّفى وعده ففقَّههن ونصحهن، وسألنه فأجابهن مما علمه الله جلَّ وعزَّ. ولذا ترجم البخاري – رحمه الله – للحديث: " باب هل يجعل للنساء يومًا على حِدةٍ في العلم". لتعذر ملازمتهن مجالس النبي صلى الله عليه وسلم تحرجًا من مخالطة الرجال. وفي مثل زماننا ما أحوجنا لوافدة النساء، التي تحمل هم القضية، وتسأل لبنات جنسها، وتلتزم بالمرجعية العلمية الشرعية، وتحرص على الخصوصية بعيدا عن مخالطة الرجال بحجة طلب العلم والعمل. ولنتمثل قول الشاعر: ولوْ كانَ النّساءُ كمَنْ فَقَدْنا لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجالِ وما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ د. أميرة بنت علي الصاعدي المشرفة العامة على مركز إسعاد