أدى جموع المصلين هذا اليوم بالمسجد الحرام أول صلاة جمعة في العام الجديد، وقد أمّ المصلين فضيلة الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط إمام وخطيب المسجد الحرام. واستفتح فضيلة الشيخ أسامة خياط خطبته بحمد الله وشكره والثناء عليه، ثم قال: "إنَّ إشراقَ شمسِ شَهْرِ اللهِ المُحرَّمِ هُوَ مَطلَعُ عامٍ جديدٍ، وبدايةُ مرحلةٍ من مراحلِ العُمُرِ، تبعَثُ على السَّعادَةِ والغِبْطَةِ، وتُشيعُ السُّرورَ في جنباتِ النَّفس أنْ منَّ اللهُ على عبدِهِ، فأمدَّ له في أجله، وأطالَ في عُمُره، حتَّى أدركَ ما قعدَ بغيره الأجلُ عن إدراكه، وحَظِيَ بما حُرِمَ منه من أمسى رهينَ قبره من أهله وإخوانه وأحبته وعُشرائه". وأوضح فضيلته إنَّ خيرَ ما يقعُ به الشُّكرُ لله المنعم بهذا الإمداد، والفسحةِ في الأجلِ: أنْ يبدَأَ المسلمُ عامَهُ بالصِّيامِ الذي تُروَّضُ فيه النَّفسُ على كبح جماحها إزاءَ الشهوات المحرمة، والنزوات والشطحات، وتسمو به لبلوغ الكمالات الروحيَّة، وتغدو به أقربَ إلى كلِّ خيرٍ يحبُّه اللهُ ويرضاهُ، وأبعدَ عن كلِّ شرٍّ حذَّر منه ونهى عنه. وأضاف فضيلة الشيخ إنَّ للصيامِ في هذا الشهرِ مزيَّةً وفضلاً عظيماً، أخبر عنه رسولُ الهُدى-صلواتُ الله وسلامه عليه- بقوله في الحديث الذي أخرجه الإمامُ مسلمٌ رحمه الله في صحيحه، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصِّيامِ بعدَ رمضانَ: شهرُ الله المحرَّم، وأفضل الصلاةِ بعدَ الفَريضَةِ: صلاةُ اللَّيلِ". وأشار خياط إلى أن الصِّيَامِ في هذا الشَّهر: صومُ يومِ عاشوراءَ، ذلك اليومُ الذي نصر اللهُ فيه موسى-عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- ومن معه من المؤمنين، على الطاغية فرعون، فإنَّه من أيَّام اللهِ التي جَعَلَ لها من الفضل العظيم ما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحة عن أبي قتادة رضي الله عنه: أنَّ رجلاً سأل النبي-صلى الله عليه وسلم- عن صيام يوم عاشوراء، فقال: "إنِّي أحتسب على الله أن يُكفِّرَ السَّنةَ التي قبله"، ومن السُّنَّة: أنْ يُصامَ يومٌ قبله، أو يومٌ بعدَهُ. وبين فضيلته أنَّه لما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ هذا اليومَ تُعظِّمُه اليهودُ والنَّصارى، قال: "لئنْ بَقِيتُ إلى قابلٍ؛ لأصومنَّ التَّاسعَ" فلم يأتِ العام القابلُ حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلُّ هذه الآثار يُصدِّقُ بعضُها بعضاً، ويؤيِّدُ بعضُها بعضاً؛ فمراتب صومه ثلاثة: أكملُها أن يُصام قبله يوم، وبعده يوم، ويلي ذلك: أنْ يُصامُ التاسعُ والعاشرُ، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك: إفرادُ العاشر وحده بالصوم". و أوصى فضيلة الشيخ المصلين في ختام الخطبة بتقوى الله عز وجل، قائلاً: واغتنمواً هذا الفضلَ العظيمَ، واحرصوا على إدراكِ هذا الخيرِ العَميم، وخذوا منه بأوفر النَّصيبِ، تفوزوا بالأجر الكريمِ، والثواب الجزيل، من الجواد الكريم، ذي الجلال والإكرام، والطول والإنعام.