أكد عدد من العلماء والدعاة أن صوم يوم عاشوراء يكفر ذنوب سنة كاملة ، مشيرين إلى أنه كلما كثر صيام شهر المحرم كان أفضل ، ويستحب لمن أراد صوم عاشوراء أن يصوم قبله يوماً أو بعده يوماً ، وذكر أهل العلم أن أفضل المراتب في صوم ثلاثة أيام التاسع والعاشر والحادي عشر. ومن تفضل الله سبحانه وتعالى على عباده بتيسيره لخلقه أسباب المغفرة والرحمة وإعطائه لهم كل ما فيه الخير والفوز وحذرهم من الوقوع في المعاصي والذنوب ومن تلك الأسباب مواسم الخيرات التي تكون عونا للمرء لرفع الدرجات ومحو السيئات ليتدارك من زلت به قدمه أو أخذته غفلة لينال كريم المطالب وأعالي المراتب ، ومن هذه المواسم يوم عاشوراء : (انه يوم عظيم وقد كان محل عناية السابقين فكانت العرب تصومه في الجاهلية». ففي الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كانت قريش تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما هاجر الى المدينة صامه وأمر بصومه، فلما فرض صوم شهر رمضان قال: (من شاء صامه ومن شاء تركه). وفي رواية (وكان يوما تستر فيه الكعبة) يعني في الجاهلية. وحول بيان مراتب صيام أيام عاشوراء؟ وحكم الاكتفاء بصيام التاسع مع العاشر فقط؟ قال فضيلة الشيخ عبدالله بن صالح الفوزان ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله ، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فإذا كان العام المقبل - إن شاء الله - صمنا اليوم التاسع) قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه مسلم ، وفي رواية له : (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) . فالحديث دليل على أنه يستحب لمن أراد أن يصوم عاشوراء أن يصوم قبله يوماً ، وهو اليوم التاسع ، فيكون صوم التاسع سنة وإن لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه عزم على صومه ، والغرض من ذلك - والله أعلم - أن يضمه إلى العاشر ليكون هديه مخالفاً لأهل الكتاب ، فإنهم كانوا يصومون العاشر فقط ، وهذا تشعر به بعض الروايات في مسلم ، وقد صح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - موقوفاً عليه : (صوموا التاسع والعاشر خالفوا اليهود) . أخرجه عبد الرزاق (4/287) والطحاوي (2/78) والبيهقي (4/278) عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، وإسناده صحيح . وقد ورد عن الإمام أحمد أنه قال: (من أراد أن يصوم عاشوراء صام التاسع والعاشر إلا أن تشكل الشهور فيصوم ثلاثة أيام ، ابن سيرين يقول ذلك) . المغني (4/441) اقتضاء الصراط المستقيم (1/419) . والمرتبة الثانية : صوم التاسع والعاشر ، وعليها أكثر الأحاديث ، وتقدمت . والمرتبة الثالثة : صوم التاسع والعاشر أو العاشر والحادي عشر ، واستدلوا بحديث ابن عباس مرفوعاً بلفظ : (صوموا يوم عاشوراء ، وخالفوا فيه اليهود ، صوموا قبله يوماً ، أو بعده يوماً) وهو حديث ضعيف . والمرتبة الرابعة : إفراد العاشر بالصوم ، فمن أهل العلم من كرهه ، لأنه تَشَبُّهٌ بأهل الكتاب ، وهو قول ابن عباس على ما هو مشهور عنه ، وهو مذهب الإمام أحمد ، وبعض الحنفية ، وقال آخرون : لا يكره ، لأنه من الأيام الفاضلة فيستحب إدراك فضيلتها بالصوم ، والأظهر أنه مكروه في حق من استطاع أن يجمع معه غيره ، ولا ينفي ذلك حصول الأجر لمن صامه وحده ، بل هو مثاب إن شاء الله تعالى .وعما جاء في الترغيب في صيام يوم عاشوراء وفضله كما في الحديث عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عاشوراء ، فقال : (يكفر السنة الماضية) وفي رواية : (... وصيام يوم عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) أخرجه مسلم . قال الفوزان:الحديث دليل على فضل صيام يوم عاشوراء ، وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم ، على القول الراجح والمشهور عند أهل العلم . شهر عظيم من جانبه أبان الشيخ محمد صالح المنجد في حديثه فضل عاشوراء وشهر الله المحرم فقال المنجد: إن شهر الله المحرّم شهر عظيم مبارك، وهو أول شهور السنّة الهجرية وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها :(إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّيْنُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) وعن أبي بكرة رضي الله عنهُ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم : (... السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حُرُم: ثلاثة متواليات ذو القعدةِ وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان) . (رواه البخاري 2958) والمحرم سمي بذلك لكونه شهراً محرماً وتأكيداً لتحريمه. وقوله تعالى : (فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي : في هذه الأشهر المحرمة لأنها آ كد وأبلغ في الإثم من غيرها . والحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها . وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء. وفيه فضل الإكثار من صيام النافلة في شهر محرّم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أفضل الصّيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم). وأضاف المنجد:وكذلك يوم عاشوراء .. ففضلها راجعٌ إلى جود الله وإحسانه إلى عباده فيها .... وصيام عاشوراء كان معروفاً حتى على أيام الجاهلية قبل البعثة النبويّة، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه) .. جاء في حديث أبي موسى رضي الله عنه قال : (كان يوم عاشوراء تعدُّهُ اليهود عيداً) . وفي رواية مسلم : (كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود تتخذه عيداً) وفي رواية له أيضاً: (كان أهل خيبر (اليهود) يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم) . قال النبي صلى الله عليه وسلم : (فصوموه أنتم).. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (ما رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يوم فضله على غيره إلاَّ هذا اليوم يومَ عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان). ومعنى (يتحرى) أي : يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه. وأكد الشيخ تركي الوذيناني :إن هذا اليوم هو يوم خالد عظيم كما أن شهر محرم هو شهر خالد عظيم وقد صحّ عن رسول الله أنه قال: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل). فيوم عاشوراء، اليوم العاشر من هذا الشهر له شأنه، فهو يوم عظيم من أيام الله، إن الأنبياء كانت تصومه، ولكن صح عندنا صيام نبيين من أنبياء الله لهذا اليوم، فأولهما صيام موسى بن عمران كليم الرحمن بهذا اليوم، وثانيهما صيام سيد الأولين والآخرين، محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمره الله أن يقتدي بمن مضى من قبله: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ. وكان هذا اليوم يصومه أهل الجاهلية في جاهليتهم، فكان محمد قبل البعثة يصومه مع قريش، وصامه في المدينة، فلما افترض عليه رمضان، لم يلزم الناس بصومه، وخيرهم بين صومه وفطره، لكنه صامه إلى أن لقي ربه. وكذا اليهود يصومون هذا اليوم، فسألهم فقالوا: يوم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى فنحن نصومه، فقال : (نحن أحق وأولى بموسى منكم). نعم، محمد وأمته أولى الناس بموسى، فهم آمنوا بجميع أنبياء الله، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَاذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ وَاللَّهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ. فصامه وأمر الناس بصيامه، من باب التطوع لا من باب الفرض، كان قبل أن يفرض رمضان أمر الناس بصيامه، فلما فرض رمضان صار من صامه فحسن، ومن لم يصمه فلا شيء عليه، لكنه رغّب في صيامه، قربى إلى الله من جانبه قال الشيخ مطلق بن عمار بمندوبية المعابدة للدعوة بمكة المكرمة :إن صيام يوم عاشوراء سنة، وكان المسلمون يصومُونه، ويُصوِّمونه صبيانهم، ويعطونهم اللعب من العهن، تسليةً لهم عن الفطر في ذلك اليوم. فصيامه سنة نبينا محمد صلاوات الله وسلامه عليه. وطالب مطلق المسلمين بصيامه بقوله: عليك أخي المسلم أن تصمه فإنه قربة تتقرب بها إلى ربك. وتطرق الشيخ مطلق إلى شأن شهر الله المحرم الذي ينطوي على هذا اليوم العظيم فقال: واليوم العاشر من محرم له شأنه العظيم، ولكن قبل ذلك شهر الله المحرم هو مبدأ التاريخ الهجري لأمة الإسلام، فإن المسلمين في عهد عمر رضي الله عنه فكروا بأي شيء يؤرخون كتبهم ويعرفون الأحوال، فاستشار عمر المسلمين في ذلك، فاتفق رأيهم على أن الشهر المحرم هو مبدأ العام الهجري، هجرةِ محمد ؛ لأنهم رأوا أنه آخر أشهر الحرم، فابتدئوا به العام لينتهي العام بشهر حرام أيضاً وهو ذو الحجة.