من السنن التي تتكرر في الدول والممالك أن تزدهر في بداياتها ثم تبدأ شعلتها بالإنطفاء تدريجيا نظرا لعدة عوامل ذكرها ابن خلدون في مقدمته منها : الترف، والاستبداد، والظلم، والوصول إلى الحضارة غاية العمران كما قال . ويُضاف إلى هذه العوامل _في نظري _عاملٌ خفي يساعد في سرعة انهيارها وهو النقد الداخلي الهدام من أعلامها وروادها والذي يسوغ بالتالي للانتقادات الخارجية ويؤكد صحة ادعاءاتهم ويزيد من تسلط الدول المهيمنة عليها وخاصة في هذا العصر عصر العولمة . فالنقد الداخلي الهدام معول خفي ولكن ضرره لا يصل سريعا إلى مستوى فصل الدين الإسلامي عن الحياة بشكل عام ولاعن الدولة التي تطبقه وتجعله دستورا لها ولكنه يبدأ بهدم التدين في نفوس المسلمين فيهدم إجلال الإسلام في النفوس والسير على منهاجه و يهدم التمسك بتعاليمه وأوامره ونواهيه حتى يكون القابض على دينه كالقابض على جمره . ويسوغ للأعداء من الخارج أصحاب الديانات المتنوعة والمذاهب المختلفة أن يكون لنقدهم أثرا وتأثيرا فإذا كان أبناء الإسلام المنتسبين له يشككون في صحة القرآن الكريم وفي حجية السنة المطهرة وفي مناهج وطرق الاستدلال الشرعية وفي كبار العلماء والمصلحين فما سيكون موقف العدو الذي لا يؤمن بهذا الدين من أساسه !!. وهناك فرق شاسع بين نقد بناء بطريقة لبقة غرضه الإصلاح وتقويم الأخطاء والهفوات وبين نقد هادم غرضه التشكيك والتحقير ومن ثم التحريض والتأليب . والأفراد الذين يسعون إلى تضخيم الهفوات اليسيرة وتعميم الأخطاء الفردية يتصفون بضعف التدين الشخصي ومحاباة العدو بحثا عن المصالح الشخصية والمنافع الفردية . فالتدين الشخصي يخضع للتذبذب صعودا ونزولا ( الإيمان يزيد وينقص ) ومن أسباب الضعف الطارئ على التدين الزهد فيه والالتفات إلى محاب النفس مما يقلل تغلغله في الأعماق ويضعف استشعار عظمة الخالق ومكانة الدين . ولهذا تجد في الدين الإسلامي سببين يغذيان التدين ويوطدانه في الأنفس وهما : من الناحية الفردية الإخلاص وتجنب ذنوب الخلوات أما من الناحية الجماعية فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وتُصد المعاول الخفية بزيادة التلاحم وتقوية الجبهة الداخلية لكي يصعُب اختراقها من الخارج من خلال غرس حب الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام في النفوس والإخلاص لله ومراقبته في السر والعلن والاعتزاز بالدين الإسلامي وتمثل القيم الإسلامية النبيلة والأخلاق الفاضلة. كتبته : ريم بنت محمد الغويري