يستيقظ من النوم كعادته، يأكل ويشرب كأي إنسانٍ آخر، يذهب للخارج ليقضي بعض الأعمال والأشغال ويرفه عن نفسه كأي شاب، يشاهد التلفاز قليلًا ويدردش مع الآخرين على هاتفه ويقضي على كثير من وقته ليكون أحد المشاهدين الذين تبرعوا بوقتهم لأحد مشاهير السناب شات؛ كأي شابٍ عصري، يعود ليلًا فينطرح نائمًا ليستعيد نفس الروتين كأي فارغ! "يوميات فارغة" حقًا. فارغة تلك اليوميات عندما يكون القلب فارغًا من أماني مراتب الجنّةِ العُليا فارغة عندما يكون العقل فارغًا من التخطيط والطموحات والأهداف فارغة عندما يكون جلّ وقتها مشابهًا لأوقات البهائم الفارغة فارغة عندما تكون فارغة من عُزلةٍ للذات. هذه الأيام؛ كثير من الأشخاص يعيش لكي يعيش وفقط، يأكل ليشبع، يتحدث لكي يرضي الآخرين، يستمع لكي يضحك؛ يَضحك لكي يُضحك! أصبح كل همه أن يشارك الناس حياته، ولا لحياة ذاتِهِ نصيب، لا كتابًا قرأ، ولا لمشروعٍ خطط، ولا لدرجةٍ علمية نوى. في جامعته طالب كأي طالب، في وظيفته موظف كأي موظف، في بيته فردًا كأي فرد، لا يُميزه شيء. لا تكن كذلك أبدًا؛ نعم خُلقنا سواسية، ولكننا لم نُخلق لنكون كذلك، فذلك عالِم وذلك وزير وذلك مُخترع وذلك مؤلف إلى آخره. بالبحث والقراءة والعلم والمعرفة ارتقوا، فهل نستوي معهم؟ يقول جودت سعيد: "إن الإنسان ليتصاغر أمام من هو أقرأ منه، سُنّة الله (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) !؟" فإن كانت يومياتك فارغة فتأكد أنك لن تكون ثمرةً في الشجرة، أو جذعًا يحملها، أو حتى ورقةً تُزينها؛ بل ورقةً جافةً قد تُشوهها! ماذا لو غفلت عن نفسك وفاتك القطار؟! فلا بأس، فالحياة وراءها أُخرى، مازالت هنالك آخره تنتظر منك إنجازاتٍ أخروية أثمن وأدوم. مازال لديك ابناء يبنون لك الدنيا إن لحقتهم وايقظتهم من سُباتهم، سبُات الحياة الفارغة. أما إن فقدت الأمل من الدُنيا من ناحية ذاتك وابناءك؛ ففرصة الآخرة تبقى الأكبر والأثمن، فتربية الأب ابنه على الصلاح أهميّة لا يتوقف ثمرها على ذاته، بل في مشروع من مشاريع الأجور الجارية بعد الممات، في الحديث (أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم. الوقت وإن كان مليئًا بالنشاطات الإنسانية، يبقى فارغًا وإن كان مليئًا؛ مادام لا يبني بيتًا في الدُنيا أو الآخرة.