كثر الجدل في الأيام الماضية حول الولاية – ولاية الرجل على المرأة – ما بين مطالبات بالإسقاط وبين نداءات بالافتخار، وعند النظر في المطالبات ومَنْ وراءها، نجد أنها تدور حول: إتاحة السفر للمرأة بدون إذن أو تصريح، وتملك أمرها والتصرف في شأنها، والتحرر من سلطة الرجل وعنفه، الوظيفة وحرية العمل بدون قيد أو شرط، حرمان حقوقها الشرعية، العنف والإذلال من بعض أولياء الأمور. وفي الوقت نفسه من تفتخر بالولاية تصرح بأنها تنعم بحسن ولايتهم وجميل تعاملهم، وأهمية وجودهم في حياتها، وعظيم أثرهم في قضاء حوائجها، وقوة نجاحها في عملها، وهم خير سند ومعين بعد الله لها. تبين من هذه المقارنة البسيطة بين المطالبات بالإسقاط والمفتخرات بالولاية، أن هناك خلفيات وراء هذه المطالب، وهناك مكاسب حول تلك المفاخر، فإذا عرف السبب بطل العجب. هناك فئة ثالثة لن أتطرق لها في حديثي وهي أن وراء هذه المطالب جهات مشبوهة ومعرفات مجهولة وأيدٍ خبيثة تريد زعزعة الثوابت وخلخلة الدين. هذه الفئة لا يلتفت لها ويوجه لها حرف، فهدفها مكشوف وقصدها مفضوح، وسيكفينا الله أمرها فالله يحفظ دينه والعاقبة للمتقين. ولي حول موضوع الولاية وقفات: أولاً: الولاية لغة: الولاية – بكسر الواو – مصدر وَلِي، ووَلَي – والثانية قليلة الاستعمال – يلي وهي تعني القيام على الغير وتدبيره. وتكون الولاية بمعنى القرابة والنّصرة، والمحبة، فتأتي الواو مفتوحة ومكسورة، وكلا المعنيين مراعى في الولاية: لأنّها تحتاج من الوليّ إلى التدبير والعمل، كما تحتاج إلى نصرة المولى عليه، والنّسب دَعَامَة قويّة من دعائم تحقيق هذه النصرة (الولاية على النفس للدكتور حسن علي الشاذلي ص 4). وتأتي الولاية بمعنى الوصاية فيقال: أولى فلاناً على اليتيم أوصاه عليه، وولي عليه ولاية أي ملك أمره وقام به فهو وليه. ويقال لكل من طرفي الولاية ولي. والولي قد يأتي بمعنى اسم الفاعل كقوله تعالى: (الله ولي الذين آمنوا) وقد يأتي بمعنى اسم مفعول كقوله تعالى: (وما لهم من دونه من وال). وبناءً على ذلك يكون معنى الولي ضد العدو. والولي في أسماء الله تعالى هو الناصر والمعين وقيل المتولي لأمور العالم والخلائق القائم بها كما في قوله تعالى: (وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً)، فولاية الله لعباده هي عبارة عن تدبير شؤونهم وتوليه أمورهم. وكل من ولي أمر أحد فهو وليه أي قائم بأمره. والولي القرب والدنو وولي اليتيم هو الذي يلي أمره ويقوم بكفالته، وولي المرأة هو الذي يلي عقد النكاح عليها ولا يدعها تستبد بعقد النكاح بدونه. قال ابن الأثير رحمه الله: "وكأن الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل، وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي" والولاية اصطلاحاً: تختلف حسب نوع الولاية، هل هي ولاية وصاية أو ولاية زواج كالولاية على عقد نكاح المرأة، أو ولاية على المال أو ولاية على التدبير وتصريف الأمور كالولاية على الصغير والمجنون. ويتبين من خلال ما سبق من معنى الولاية اشتمالها على معاني القرب والنصرة والمحبة والتدبير والقدرة والوصاية، وجميعها معانٍ لا يختلف أحد على حاجتها وأهميتها لكل من تحمل مسؤولية، سواء كان من تحته ذكوراً أو إناثاً، وهي معانٍ تحمل العناية والرعاية والصيانة بلطف ومحبة، إلا معنى الوصاية فهو خاص بالولاية على الصغير واليتيم والمجنون لعدم قدرتهما على التصرف، وحاجتهما إلى من يقوم بأمرهما فمن رحمة الله تعالى أن اعتبرت الشريعة الإسلامية الولاية على الغير في حال عجزه عن النظر في مصالحه. ثانياً: مصدر الولاية: فالولاية قد يكون مصدرها الشرع كولاية الأب والجد، وقد يكون مصدرها تفويض الغير كالوصاية ونظارة الوقف. ثالثاً: أنواع الولاية: الولايات متعددة فهناك الولاية على المال كالولاية على مال الصغير والمجنون والسفيه والمملوك – ولم تعد المرأة منهم إلا إذا كانت كذلك – والولاية في النكاح وهذا خاص بنكاح المرأة، وولاية في الحضانة، وهذه تكون فيه الولاية لما فيه مصلحة المحضون سواء كان ذكراً أو أنثى. رابعاً: يختلف من تثبت له الولاية من نوع إلى نوع فقد تكون للرجال فقط، وقد تكون للرجال والنساء، وقد تكون للنساء فقط، والحضانة نوع من أنواع الولايات الثابتة بالشرع ويقدم فيها النساء على الرجال، وعقد النكاح ولاية ثابتة بالشرع يقدم فيها الرجال، وولاية المال ثابتة بالشرع ويشترك فيها النساء والرجال. "ولما كان الهدف من الولاية هو العناية بشخص المولى عليه فقد قرر الشارع بأن يكون الأولياء من أقرب الناس إلى المولى عليه لوفور الحنان والشفقة وحسن الرأي والتدبير، ولما كانت الولاية ناشئة عن القرابة بعَدها أقوى أسباب الولاية وأوثق الصلات الإنسانية، حيث تربط بين الأشخاص وتجعل كلاً منهما قريباً من الآخر وبمقتضاها تثبت ولاية بعضهم على بعض". خامساً: ولاية الرجل على المرأة في عقد النكاح، ثابتة شرعاً، فالمرأة لا تزوج نفسها ولا غيرها، فلا ولاية لها في عقد الزواج على نفسها ولا غيرها بالولاية، وروي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وعائشة – رضي الله عنهم – قال ابن المنذر: (إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك)، وإليه ذهب سعيد ابن المسيب والحسن وعمر ابن عبدالعزيز، والثوري، وابن أبي ليلى وابن شبرمة، وأبو عبيد والطبري، وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة، وهو ما نقله عن أبي يوسف كل من: الطحاوي، والكرخي، واستدلوا على ذلك بما يلي: قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة: 232)، وهذه الآية نزلت في معقل بن يسار إذ عضل أخته عن مراجعة زوجها، ولولا أن له حقاً في الإنكاح ما نهى عن العضل، قال ابن عبدالبر: (هذا أصح شيء وأوضحه في أن للولي حقاً في الإنكاح، ولا نكاح إلا به؛ لأنه لولا ذلك ما نهي عن العضل، ولاستغنى عنه، ثم بين وجه احتجاجه بقوله: "ألا ترى أن الولي نهي عن العضل، فقد أمر بخلاف العضل، وهو التزويج، كما أن الذي نهي عن أن يبخس الناس قد أمر بأن يوفي الكيل والوزن، وهذا بين كثير". وقوله تعالى: ﴿فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ فالآية صريحة باشتراط طلب إذن الأهل. وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : "لا نكاح إلا بولي" وهو من أصرح الأحاديث الدالة على اشتراط الولي، وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له". وعلل الفقهاء تخصيص الرجال بولاية النكاح لأمور منها: أن النكاح عقد عظيم، خطره كبير، ومقاصده شريفة ولهذا أظهر الشرع خطره باشتراط الشاهدين فيه من بين سائر المعاوضات، فلإظهار خطره تجعل مباشرته مفوضة إلى أولي الرأي الكامل من الرجال. وقالوا : "الولاية في النكاح للمرأة رعاية لحقها، وصيانة لكمال أدبها وكرم حيائها، وإيصالها إلى مرادها على أتم وجه وأشرفه وأكمله، دون هضم لحقها في اختيار من ترضاه زوجاً لها – إن كانت قادرة على النظر وحسن الاختيار – ودون إهمال لها بتركها تضع يدها في يد من تهوى، في عقد جليل قدره، عظيم خطره، إن وقعت منها الزلة ففي محل لا تهون فيه، ولا تقتصر عليها فيه تلك المعرة، وهذا بخلاف ما إذا كان أمر نكاحها شورى بينها وبين أوليائها، بحيث يكون لرجالها فيه إبرام عقدته، ولها فيه إملاء شروطها، حتى تطيب نفسها، وبهذا يكون لها غُنم هذا العقد. وليست هذه الولاية ولاية قهر وإذلال، ولا استغلال لحياء الكريمات من النساء اللاتي يعزُّ عليهن إبداء رغبتهن في الأزواج، كما يصوره من قصر نظره أو ساءت نيته، وإنما هو حفظ للحقوق وصيانة للأعراض وتمسك بالفضيلة في أجمل صورها وأرفع وأسمى معانيها. سادساً: هناك خلط بين القوامة والولاية، ولتوضيح الفرق: القوامة هي: إنفاق ورعاية وحماية وإشراف وتكليف للرجل، وهو حكم خاص بالأزواج، وكل رجل قوّام على زوجته فقط، بينما يسمى حكم الأب على ابنته أو على أولاده كلهم "ولاية". وقال العيني في قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ):" قوله: قوامون أي يقومون عليهن آمرين ناهين كما تقوم الولاة على الرعايا والضمير في بعضهم يرجع إلى الرجال والنساء جميعاً، كذا قاله الزمخشري ثم قال يعني أنما كانوا مسيطرين عليهن بسبب تفضيل الله بعضهم وهم الرجال على بعض وهم النساء، قوله وبما أنفقوا؛ أي وبسبب ما أخرجوا في نكاحهن من أموالهم في المهور والنفقات". والولاية: سلطة شرعية يملك بها القادر على التصرف رعاية شؤون غيره. وولي المرأة: قيمها والقائم على أمرها، والمتحمل مسؤوليتها، والمدبر لجميع شأنها. والمرأة بحاجة إلى وليها في جميع أمورها، وجليل شأنها. ومن الثابت المستقر شرعاً: أن مباشرة عقد النكاح حق من حقوق ولي المرأة، فلا تلي نكاح نفسها ولا نكاح غيرها، ولا عبارة لها في النكاح مطلقاً، وإن عقدته فهو باطل، وكذلك إن عقده لها أجنبي عنها بدون إذن وليها، وهذا مذهب جمهور أهل العلم وهو المعتمد عند المالكية والشافعية والحنابلة. سابعاً: ولاية المرأة البالغة الرشيدة على مالها حق لها وليس لأحد مصادرة هذا الحق ومن يزعم خلاف ذلك فعليه بإثبات ذلك، فالإسلام أعطى المرأة الأهلية الكاملة في التصرف في مالها بيعاً وشراء وهبة وإقراضاً. ثامناً: من يطالب بإسقاط ولاية الرجل – من أب أو زوج – على موليته من أجل منعها من السفر إلا بإذنه، فقد غفل عن الحكمة من وراء ذلك، فالشرع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مصلحته خالصة أو راجحة، وفي هذا تحقيق لمصالح الأسرة وصيانة وحفظ للمرأة، ولا يخفى ما نسمعه من حوادث وقضايا من خطف وهروب وقتل واغتصاب لمن سافرت بدون إذن أو محرم، ولعل أقرب وأخطر قضية ما نشر قبل البارحة حول سفر إحدى النساء بأولادها إلى مناطق الصراع. ومن تطالب بإسقاط الولاية لظلمه وعنفه وسوء خلقه، فهذا يُقاضَى ويصحح وضعها كحالة خاصة لا عامة تسقط على الجميع، ومن تطالب بإسقاط الولاية لعضله وتسلطه وتعسفه، يعامل كسابقه أيضاً، والمحاكم ولله الحمد تطور وضعها وتم حل كثير من مثل هذه القضايا، ومن تطالب بإسقاط الولاية لتسلطه على مالها فلتعلم أن لا حق له ولا تصرف في مالها إلا بإذنها، ومن تنادي بإسقاط الولاية لباطل واتباع هوى فلتعلم أنها تعارض شرع ربها، وتصادم الحكم الرباني الحكيم، وتحقق أمنيات غربية وأجندات دولية لهدم الأسرة وتفكك المجتمع، ولا يخفى واقع المرأة الغربية البائس حيث تخلى عنها وليها وهرب عنها زوجها، فأصبحت من بنات الليل، وكادحات النهار لتنفق على نفسها وأولادها. ومن يفتخرن بالولاية سمعت فأطاعت، وعلمت فامتثلت، وأدركت فاستسلمت لشرع ربها، فالعاقلة من توازن بين المصالح والمفاسد، وتقدم مرضاة ربها على هوى نفسها. تطبيقاً لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مبيناً) قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: لم يكن لمؤمن بالله ورسوله، ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاء أن يتخيروا من أمرهم غير الذي قضى فيهم، ويخالفوا أمر الله وأمر رسوله وقضاءهما فيعصوهما، ومن يعص الله ورسوله فيما أمرا أو نهيا: (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِيناً) يقول: فقد جار عن قصد السبيل، وسلك غير سبيل الهدى والرشاد". وقال ابن كثير فهذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء، فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد هاهنا، ولا رأي ولا قول، كما قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)، وفي الحديث: "والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به"، ولهذا شدد في خلاف ذلك، فقال: (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً)، كقوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم). كلمة أخيرة لمن تطالب بالإسقاط أن تتأمل واقعها بدون أب يرعاها ويتولى أمرها ويقوم على تلبية حاجاتها، فإن هي رفضت رعايته وأسقطت ولايته فقد جحدت النعمة وكفرت العشير، وإن كان وليَّهَا أخوها أو غيره من محارمها، فإن كان صالحاً نافعاً راعياً قائماً بشؤونها فرغبت في إسقاط ولايته فقد نكرت المعروف وجحدت الجميل، وإن كان غير ذلك فالشرع ناصرها والقاضي يتولى أمرها. نسأل الله البصيرة في الدين، والثبات على الأمر، والسداد في العمل. المشرفة على مركز إسعاد للاستشارات د. أميرة بنت علي الصاعدي 10/11/1437ه