كثرت الزيجات المعاصرة لدرجة صعوبة التفريق بينها وبين بعض الكماليات الأخرى، فمن «المسيار» إلى زواج «الفريند» إلى «الزواج بنية الطلاق» إلى «الزواج العرفي» إلى زواج «الكاسيت».. إلى غير ذلك مما اختلف عليه العلماء حول الإباحة والتحريم والمنع والإذن. «الزواج بدون ولي».. أخذ في هذه الآونة حيزا من الاهتمام، وبدا في نظر بعض المانعين له أحد الموضات المستحدثة من قبل الشباب للهروب من سلطة الولي الذي يراه هؤلاء عائقا أمام نفاذه، فهو باختصار عقد بين متزوجين دون ولي للمرأة مع إكمال سائر الشروط من الإيجاب والقبول والمهر والشهود وأهلية الزوجين. «سعاد» قالت: أنا لا أوافق على مثل هذا الزواج ولكن عندما تحس الفتاة بأن عمرها يتناقص وتتقدم نحو العنوسة بسبب تعنت والدها في تزويجها برغم كثرة المتقدمين لخطبتها لأنه يطمع في راتبها أو يسعى إلى المغالاة في مهرها أو الإضرار بها فمن حقها أن تقبل بمثل هذا الزواج لأنها هي من سيعاني من العنوسة وعذاب الوحدة فيما بعد. «أريج» أبدت سببا آخر وهو إجبارها على الزواج بمن لا ترضاه أو بمن يكبرها في السن أو لا تناسبها صفاته الأخلاقية أو الخلقية فتهرب إلى كنف من ينقذها. «نورة» ترى أن الفتاة إذا أحبت شخصا وأرادت أن ترتبط به بالحلال ووقف أهلها في وجهها بدون أسباب مقنعة أن تتزوج بدون إذن أهلها لأن الفتاة من حقها أن تختار طريقها في الحياة وأن تتحمل النتائج أفضل من أن تحملها أهلها. وهناك عدة تساؤلات عرضت على المختصين في الشريعة والقانون.. وهي: ما حكم هذا الزواج؟ وما حكم من تزوجت بدون إذن وليها؟ وما هو مصير الولد؟ وما الإجراءات القانونية نحوه؟ أليست المرأة البالغة كالرجل في التكليف والاختيار؟ وإذا كانت الحكمة من المنع هي الخوف على مصير المرأة ألا يمكن وضع ضمانات تحفظ حقوقها؟ ولماذا تلجأ بعض الفتيات إلى مثل هذا الزواج هل هو هروب من تعنت الأب أم هروب إلى المجهول؟ نكاح باطل ويتطرق الدكتور محمد المختار الشنقيطي للرأي الشرعي الذي يرى أن «أي نكاح فقد أحد أركانه يكون نكاحا باطلا وحكمه أن يفسخ ويعاد النكاح من جديد ولا يترتب عليه شيء والولد يلحق بأبيه وهذا النكاح الباطل ينفي حد الزنا». ولكن السؤال المطروح باهتمام: ما الذي يضطر الفتاة إلى تجاوز وليها وعقد قرانها بدون إذنه برغم أهمية حضوره لهذا المشروع المصيري في حياتها؟ زيادة على ذلك فهو أب له مكانته واحترامه وحقه باعتباره المربي والمنفق والمسؤول وصاحب اليد العليا عليها. العقد صحيح وعن الرأي المقابل للتحريم وهو إباحة مثل هذا الزواج يتساءل البعض: هل إذن الولي شرط في صحة زواج المرأة العاقلة البالغة أم ليس شرطا ويجيب عن ذلك الدكتور مجدي سرور باسلوم قائلا: ذهب الإمام أبو حنيفة وأبو يوسف في ظاهر الرواية إلى أن العقد صحيح بدون إذن الولي سواء كانت المرأة بكرا أم ثيبا، لأن الولاية عندهم على البالغة العاقلة هي ولاية استحباب، فلا تتوقف صحة العقد معها على رضا الولي، فالعقد بدون إذنه ورضاه صحيح نافذ وهو لازم على الأولياء أيضاً متى كان المهر مهر المثل وكان الزوج كفؤاً، وإذا كان المهر أقل من مهر المثل أو كان الزوج غير كفء فالعقد لا يلزم الأولياء إلا إذا رضوا به أو سكتوا حتى ولدت المرأة أو كان بها حمل ظاهر، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه في حالة تزوج المرأة بغير الكفء يكون العقد باطلا من أول الأمر وهذه الرواية هي التي اختيرت للفتوى، موضحاً أن الإمام أبا حنيفة استدل بقوله تعالى: «فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف» على جواز النكاح إذا عقدت على نفسها: إضافة العقد إليها من غير شروط إذن الولي، نهيه عن العضل إذا تراضى الزوجان. البكر والثيب ومن جهة السنة حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس للولي مع الثيب أمر»، وهذا بسند صحيح وقوله: «الأيم أحق بنفسها من وليها»، يمنع أن يكون له الحق في منعها العقد على نفسها فدل ذلك كله على أن للمرأة مباشرة النكاح بنفسها غاية ما يثبت به كراهة حضور مجلس «الإملاك»، وأن تتولى أمر النكاح بنفسها لكونه دالا على الجرأة والوقاحة وعدم الحياء ولكن لا يدل على نفي ولايتها على نفسها أو على غيرها سواء وكلت أحداً من الرجال وهو الأولى أو لم توكل. ولا يرى الدكتور باسلوم فرقا بين البكر والثيب في هذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صمتها»، فالجملة الأولى أن الحق للثيب في تزويج نفسها فإن حكم البكر يستفاد من الجملة الثانية من الحديث فهي تأمر باستئمار البكر وأخذ رأيها في زواجها ولم تجعل للولي حقا معها ولا مع الثيب إلا من باب ولاية الاستحباب. ومن ناحية الأحاديث الواردة في اشتراط الولي في الزواج يذكر الدكتور باسلوم أن الأحناف ردوا هذه الأحاديث لاضطراب في بعضها وضعف بعضها الآخر وذكر بأن السيدة عائشة رضي الله عنها والتي روي عنها حديث اشتراط الولي خالفت هذا الحديث المروي عنها وزوجت حفصة بنت أخيها عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما وكان غائبا فلما حضر غضب لذلك وقال: أمثلي يصنع به هذا؟ ثم لم ينقل أن أبطل العقد لوقوعه بدون حضوره أو إذنه، وثبت أن علياً رضي الله عنه أجاز نكاح امرأة زوجتها أمها برضاها.