هل سبق وشاهدت مقاطع لحوادث السيارات الروسية عبر مقطع تم تسجيله من كاميرا تم تثبيتها في مقدمة السيارة؛ ثم تساءلت ما الذي جعل أكثر السيارات الروسية تقوم بتثبيت الكاميرات بهذه الطريقة؟ هل هو قانون حكومي أم قرار شعبي؟ عندما سقطت عشرات النيازك الشهيرة قبل أعوام عديدة على المدن الروسية؛ استطاع العالم أن يراها بشكل واضح لم يسبق له مثيل، وكذلك شاهد العالم مشهد تحطم طائرة الركاب الروسية قبل نحو شهرين بشكل واضح؛ وذلك عن طريق الكاميرات التي تم تثبيتها في مقدمة كثير من السيارات الروسية، وكذلك استطاع الروس أن يوثقوا آلاف حوادث السيارات والمواقف الطريفة في اليوتيوب بكاميراتهم المثبتة في سياراتهم. المساحة الهائلة لروسيا – إذ تعتبر أكبر دولة في العالم – مع الفساد الذي يعم كثيراً من القطاعات الحكومية في الدولة أورث الكثير من المشاكل التي عانى منها الشعب كثيراً؛ إذ تُعتبر روسيا من أكثر البلدان فساداً في العالم؛ وذلك بسبب الفجوة الصارخة بين الأغنياء والفقراء، فالنظام لا يتم تطبيقه على الوجه المطلوب، وكثيراً ما تبخس الحكومة حق المواطنين لأبسط الأسباب. من هذا الباب وغيره كان السبب الرئيسي في اتخاذ المواطنين الروس أسلوب تركيب كاميرات صغيرة في مقدمة سياراتهم تُسمى " Dash Cam ". فالمواطنون الروس عانوا لفترات طويلة من الظلم الذي يُمارس عليهم من قطاع المرور في الدولة بشكل خاص، فقد كان رجل المرور لا يطبق نظام الدولة؛ بل يطبق نظامه هو حسب نفسيته. وكذلك في بعض الأحيان ينكر أحد أطراف الحادث بعض الوقائع لينفي عن نفسه نسبة من الخطأ. فابتكر الشعب طريقة الكاميرات ليتمكنوا من إثبات الوقائع الصحيحة للمخالفات، وانتشرت هذه الطريقة على نطاق واسع في روسيا، حتى أنه في أحد اللقاءات التلفزيونية قالت "ألكسي دوزوروف" الناشطة في حقوق سائقي السيارات في روسيا: "يُمكن للسائق الروسي أن يقود السيارة بدون ملابسه، ولكنه لا يستطيع أن يقود سيارته بدون كاميرا تصوير!" عندما تبحث في محرك بحث اليوتيوب عن موضوع حوادث السيارات في روسيا ستظهر لك آلاف المقاطع المرئية الموثقة لحوادث السيارات، أو انتهاكات لحقوق الطريق والسائقين. وقد أظهر تقرير لمنظمة الصحة العالمية يتحدث عن الحوادث في روسيا يقول فيه: إن عدد الوفيات بسبب حوادث السيارات في عام 2007 بلغ 35,972 قتيلاً في روسيا فقط، وبلغ معدل الوفيات من حوادث المرور في نفس العام ما مقداره 25.2 قتيل لكل 100,000 شخص روسي، وعلى سبيل المقارنة؛ ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية يبلغ المعدل 13.9 قتلى لكل 100,000 شخص في العام نفسه، مع الأخذ في الاعتبار أن الولاياتالمتحدة تزيد عدد السيارات فيها عن روسيا بستة أضعاف. وقد أدى رخص الكاميرات الصغيرة إلى انتشارها بين سائقي السيارات الروسية بشكل كبير؛ ومن ثم تم اعتماد تغيير قانون المحاكم في روسيا؛ ليتم اعتماد توثيق الكاميرات الصغيرة كشاهد في أي قضية يكون التصوير فيها واضحاً ابتداءً من عام 2009، ثم تحول الأمر إلى ظاهرة في السيارات الروسية. وقد ذكرت بعض التقارير أن معدل الفساد في قطاع المرور الروسي انخفض بنسبة كبيرة جداً مقارنة بالماضي، وذلك بفضل هذه الكاميرات التي أصبحت شاهد عيان حول القضايا المرورية وغيرها. وبدأ انتشار هذه الكاميرات الآن في كثير من الدول في مقدمتها فرنسا بعد نجاحها الباهر في روسيا، ولكن حتى الآن لا يُعتبر الأمر ظاهرة كما يحدث في روسيا. فهل يا تُرى ستنتشر هذه الكاميرات في دولنا العربية؟