اختتم المؤتمر الإسلامي العالمي "الأمن والاستقرار في ظل التحديات المعاصرة" الذي عقدته جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي، في أبوجا، في الفترة من 8-10 / 6 / 1437ه الموافق 17-19 / 3 / 2016م، بمشاركة جمع من العلماء والباحثين الذين بحثوا تصاعد العنف في العالم، وأهمية السعي لما يحقق الاستقرار والأمن والتعايش الإيجابي، وتضافر الجهود في اتخاذ الوسائل العملية التي تعمق التعاون والألفة، وتواجه التحديات التي تقوض السلم الاجتماعي والعالمي. وافتتح المؤتمر رئيس جمهورية نيجيريا الاتحادية محمد بخاري بكلمة رحب فيها بالمشاركين فيه، وأشاد بموضوعه، وعبَّر عن تطلع الحكومة النيجيرية إلى الاستفادة من مخرجاته في تطوير أساليب التعايش في نيجيريا وترسيخ القيم المشتركة وإشاعة ثقافة الحوار والتعايش، ومحاربة الممارسات الإرهابية، والتعاون على بناء دولة نيجيريا الحديثة. وألقى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي كلمة أكد فيها حرص الرابطة وتعاونها على إشاعة ثقافة التعاون على الخير والحوار البناء لإرساء التفاهم بين الشعوب والحضارات المختلفة؛ انطلاقاً من وسطية الإسلام الذي أكدت عليه نصوص الوحيين الشريفين. وبحث المؤتمر الموضوعات التالية: أولاً: التطرف والغلو في المنظور الإسلامي. ثانياً: مسؤولية تحقيق الأمن والاستقرار. ثالثاً: تحديات الاستقرار في المجتمع. رابعاً: نحو سلام عالمي حقيقي. وقد أكد المشاركون أهمية دعم المناشط التي تعتمد الحوار أسلوباً في حل المشكلات للوصول إلى صيغ عادلة للمكونات المختلفة للمجتمعات الإنسانية، ودعوا المسلمين ومؤسساتهم إلى التعاون مع مواطنيهم في حل الخلافات بما يضمن حقوق الجميع. وأكدوا أن ظاهرة الغلو والتطرف عالمية وقديمة، وأنها لا تنحصر في المسلمين، ولا تعبر عن حقائق دينهم، فقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أمته في قوله: « وإياكم والغلوَّ في الدين؛ فإنَّما أهلك مَن كان قبلَكم الغلوُّ في الدين». وأكد المؤتمر ما يلي: -أن أحكام الإسلام وقيمه هي الدرع الحصين للسلم والأمن لما فيه من صون للحقوق، وتعظيم لحرمة الدماء، وتحريم للظلم والعدوان والفساد في الأرض، قال الله تعالى: ﴿من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ﴾ (المائدة: 32)، وقد توعد الله المفسدين في الأرض بأليم عقابه في الدنيا والآخرة: ﴿ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ﴾ (المائدة: 33). -أن الناس شركاء في التكريم الإلهي، بما وهبهم الله من خصائص الإنسانية، وما كلفهم به من عمارة الأرض وبناء الحضارة، قال الله تعالى: ﴿ هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريبٌ مجيبٌ ﴾ (هود: 61). -أن الاختلاف بين الناس في أجناسهم وألوانهم سُنة من سنن الله في خلقه، قال الله تعالى: ﴿ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين﴾ (الروم: 22). -الرسالات الإلهية متفقة في أصولها وفي دعوتها إلى عبادة الله وإشاعة السلام والرحمة والعدل بين جميع الناس، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وصون حقوق الإنسان، وإرساء قيم العدل والبر والإحسان، والتعاون فيما يحقق السلم وينشر الفضيلة والقيم النبيلة، ويستثمر منجزات الحضارة في إسعاد الإنسان في دنياه وأُخراه. -أن الأصل في العلاقة بين المسلمين ومواطنيهم البر والعدل والسلام، قال الله تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾ (الممتحنة: 8). -أن الحوار بين أتباع الأديان من أفضل السبل للوصول إلى فهم صحيح للآخر، وبناء جسور الثقة، وحل الإشكالات، وتطوير صيغ التعاون بين المواطنين، وصولاً إلى تحقيق الأهداف الجامعة. -أن الأمة المسلمة وسطية بين الإفراط والتفريط، وتتبنى منهجاً شرعياً أصيلاً، يعزز التكامل بين الفرد والجماعة، ويرفض المواقف والسلوكيات الشاذة، قال الله تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً﴾ (البقرة: 143). -أن الإسلام دين الرحمة والسلام ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ (الأنبياء: 107)، ويحرم العدوان وقتل النفس دون حق: ﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق﴾ (الأنعام: 151). -التحذير من الربط بين الإسلام والممارسات الشاذة للجماعات المتطرفة التي خالفت إجماع الأمة وأضرت بمصالح المسلمين حول العالم، وكانت من أسباب تشويه صورة الإسلام والمسلمين. -أن التصدي للإرهاب مسؤولية مشتركة، تستوجب تضافر الجهود في تجفيف موارده ومعالجة أسبابه الاجتماعية، والبحث عن حلول عادلة للمشكلات الإقليمية. وأوصى المؤتمر بما يلي: أولا: العلماء والدعاة والمؤسسات الإسلامية: -بيان حقائق الإسلام، وتصحيح اللبس في مفاهيمه وأحكامه، وبيان منهجه الوسطي، ونشر العلم الصحيح المنبثق من أصول الإسلام، بعيداً عن تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. -التصدي لتيارات الغلو والتطرف، وبيان جنايتها على الإسلام والمسلمين، وتحصين الشباب من أخطارها بنشر ثقافة الاعتدال، والنأي بهم عما يؤجج الفتن، ويثير عداء الآخرين للإسلام وحضارته وأبنائه. -مواجهة الطائفية بالدعوة إلى الاعتصام بالكتاب والسنة، والنظر في آثارها البغيضة في بعض الدول العربية، والحيلولة دون وقوع الدول الإفريقية في أخطار التمزيق والاحتراب الأهلي. -بيان أثر الإسلام في الحضارات الإنسانية، والتذكير بما قدمه من مشاركة ثرية فيها، وتفويت الفرص على الغلاة الساعين إلى تأجيج الصراع بين أتباع الأديان والحضارات. -تقوية التواصل مع الشباب، وتوسيع آفاق الحوار معهم، وتعميق اعتزازهم بهويتهم، واستمساكهم بدينهم، وعونهم على حل مشكلاتهم، ونشر الوعي الصحيح بالإسلام بينهم. -التأكيد على أسس الوحدة الوطنية، ومواجهة دعوات التمزيق القبلي والعرقي، بتعميق ثقافة الوحدة، والتعاون على تحقيق المشتركات الجامعة التي يسعد بخيرها الجميع. -التعامل وفق رؤية مشتركة تراعي طبيعة المجتمع، وتلبي احتياجاته، وتقدم مقاصد الأمة العليا على المصالح الحزبية والفئوية، والتعاون في موارد الاتفاق، والاعتصام بالثوابت، والتحلي بأدب الخلاف، وحل المشكلات وفق المنظور الشرعي، بالأسلوب الرشيد الذي يحفظ الإخوة الإسلامية، ويراعي مقتضياتها، ويعزز وحدتها، ويحفظ مقدراتها من الهدر والضياع. -تطوير الخطاب الديني، بما يراعي فوارق الزمان والمكان ويتلاءم مع ثوابت الإسلام، ويعالج مشكلات المجتمع المعاصرة، بعيداً عن الانفعال الذي يعبر عن ردة فعل آنية تغفل عن الآثار البعيدة. -العناية بالدعوة في إفريقيا، وتأسيس الأوقاف الإسلامية لرعاية المساجد والمناشط الإسلامية، والاهتمام بترجمة القرآن الكريم والكتب الإسلامية إلى اللغات المحلية. -التأكيد على أهمية الفتوى الجماعية في الشأن العام، والتحذير من الفتاوى الشاذة، وتعزيز التنسيق في التصدي للنوازل والقضايا العامة. ثانياً: دول العالم والمؤسسات الدولية: – دعم مبادرات الحوار الحضاري حول العالم، والاستفادة من المواقف الدولية والبرامج العالمية في تحقيق التفاهم والتعايش بين شعوب العالم، ودوله، والإسهام في حل المشكلات التي تعرقل المسعى العالمي للعيش في مجتمع إنساني آمن يسوده التعاون. – استثمار مقاصد الحق والخير والعدل والسلام التي يدعو إليها الإسلام في تعزيز السلم العالمي، وإشاعة ثقافة الرحمة والتعاون على الخير، وبناء جسور التواصل في تحقيق الشراكة في مسيرة الحضارة الإنسانية. – رفض دعوات الصراع بين الحضارات، ورصد آثارها السلبية على العلاقات بين الأمم والشعوب المختلفة، ومعالجة النزاعات التي تواجهها البشرية، بإيجاد حلول عادلة، وصولاً إلى مجتمع إنساني يأمن فيه الجميع، ويسوده العدل والرحمة. -وضع استراتيجية لتجفيف منابع الإرهاب، والتصدي لهذه الظاهرة بموضوعية وعلمية، ومواجهة استغلال هذه الظاهرة في التحريض على الإسلام والتخويف من المسلمين، والإساءة إلى رموزه والتضييق على المؤسسات الإسلامية. -التعاون في التخفيف من التحديات البيئية والاجتماعية، وتوفير فرص العمل، ومحاربة الفقر والجهل والمرض، والتضامن في تخفيف الكوارث، وتقديم المساعدة للمنكوبين، والتعاون مع وكالات الأممالمتحدة والمنظمات الخيرية. – الالتزام بالقيم الإنسانية، وترسيخ القيم النبيلة، والتعاون مع المؤسسات الدينية في التصدي لما يستهدف القيم الإنسانية والأخلاق الكريمة، ومواجهة تفكك الأسرة وانحلال القيم الأخلاقية. – الإصلاح الشامل الذي يحفظ الهوية الثقافية، ويلبي تطلعات الشعوب في محاربة الفساد، وحسن استخدام الموارد البشرية والطبيعية، بما يحقق العدل، ويصون الكرامة الإنسانية، ويرعى الحقوق والواجبات. -إسهام وسائل الإعلام في نشر ثقافة السلام والتفاهم، والنأي عن الترويج لما يكدر صفو العلاقات الإنسانية، ويشجع على الانجرار إلى العنف والكراهية، ويثير التوتر والشقاق. -تقديم الدعم والرعاية للمتضررين والنازحين من مناطق الصراع، والتعاون في إعادة البنى التحتية لمناطقهم بما يسهل عودتهم العاجلة إليها. ثالثاً: رابطة العالم الإسلامي ومؤسساتها: -التعاون مع اتحاد علماء إفريقيا والمؤسسات العلمية فيها لجمع كلمة المسلمين، وتعزيز العمل الإسلامي المشترك، ووضع الخطط الدعوية والتربوية والثقافية لإصلاح المجتمعات الإسلامية والنهوض بها. -إقامة مؤتمرات ومناشط حوارية لمناقشة التطرف وأسبابه والحلول التي تصون الشباب المسلم عن تيارات الغلو والجفاء، ووضع مخرجاتها بين يدي المعنيين للإفادة منها في علاج هذه المشكلة. -التنسيق بين المؤسسات الإسلامية في إفريقيا، وفق برامج عمل مشتركة تحقق طموحات مسلمي إفريقيا وآمالهم، وإنهاء النزاعات المذهبية والحزبية والقبلية، وعلاج القضايا والمشكلات التي تعيق التنسيق والتكامل في العمل الإسلامي. -تقوية الصلات بالأقليات المسلمة في إفريقيا، والسعي لتحقيق مطالبها في نيل حقوقها والتمسك بهويتها الإسلامية، وتشجيع انتمائها الوطني وتعاونها مع المكونات الثقافية الأخرى. -التعاون مع وسائل الإعلام في إفريقيا، لتقديم مناشط وبرامج إعلامية تسهم في إشاعة ثقافة الاعتدال، وتجيب عن أسئلة الشباب المسلم، وتوجههم إلى ما يعود عليهم بالنفع، ويحصنهم من دعاوى التفريط والإفراط. -إعداد الدعاة وتأهيل المدرسين من خلال معهد إعداد الأئمة والدعاة والدورات الشرعية، بما يسهم في تكوين الدعاة، وتأهيلهم للقيام بالواجب المنوط بهم في نشر الثقافة الإسلامية والتعريف بالإسلام وحضارته. -توفير المزيد من الفرص الدراسية لأبناء إفريقيا، وبخاصة في العلوم الشرعية. -تعاون الهيئات في الرابطة مع الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية في نيجيريا وإفريقيا، لمساعدة المسلمين على مواجهة تحديات الفقر والمرض والجهل، وتقديم مشروعات تنموية تسهم في تحسين أحوال المسلمين، وتكفل لهم حياة كريمة. -دعوة المجمع الفقهي الإسلامي إلى إصدار موسوعة علمية شاملة لتصحيح المفاهيم الخاطئة في بعض الأحكام الشرعية، وتعريف المصطلحات المهمة، وترجمتها إلى اللغات المختلفة. *** وشكر المؤتمر جمهورية نيجيريا الاتحادية برئاسة الرئيس محمد بخاري على تسهيلها إقامة المؤتمر وحرصها على تعزيز ثقافة التعايش في إفريقيا، ودعوها إلى تسخير رصيدها التاريخي ودورها المركزي في قارة إفريقيا في تقوية ارتباط الدول الإفريقية بالعالم الإسلامي، وبخاصة المملكة العربية السعودية منطلق رسالة الإسلام وقبلة المسلمين، والتعاون في التصدي للأخطار والتحديات المختلفة. وشكروا المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على حرصها على استقرار العالم وأمنه، ودفاعها عن المظلومين، وتصديها للجماعات الإرهابية. وشكروا جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة في نيجيريا ورئيسها فضيلة الشيخ عبدالله بلا لو لجهدهم في تنظيم المؤتمر، وشكروا رابطة العالم الإسلامي وأمينها العام معالي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي على إقامة المؤتمر والتواصل مع المسلمين في إفريقيا.