المدنيّة حياة صاخبة، وأنفاس متسارعة تلهث في أروقة هذه الحياة التي تلاطمت أمواجها في هذا الانفتاح على العالم أجمع، وامتزجت بسيول الحياة الغربية الجارفة؛ مما جعل الكثير يعيش في حالة انبهار بالغرب الذين لا يرى منهم بنظره القاصر إلا التطور والحرية! فبعض نساء المسلمين لا ترى إلا صورة المرأة الغربية التي تعيش – كما يزعمون – في حرية وسعادة تقود سيارتها، وتقضي حوائجها دون وليّ أو مسؤول، وهذه قمة السعادة في نظرهنّ! ولكن لننظر نظرة سريعة للوجه الآخر لحياة المرأة الغربية، وهل ما نسمعه يطابق الواقع؟؟ لعل خداع الناس بذلك كان ممكناً في عصور خلت، أما الآن وقد أصبح الاطلاع على حياة الغرب عن كثب متاحاً فقد ظهرت الحقيقة لتلك المرأة التي أقل ما توصف به أنها مضطهدة في مجتمعها الذي يرفع شعارات الحرية وحقوق الإنسان. إنها – المرأة الغربية – تصارع الحياة لتعيش، وتتكبد أعمالاً لا تلائم فطرتها وأنوثتها، فهي تزاحم الرجال في أعمالهم، إن علت شاركتهم في بناء المنازل والأبراج، وإن نزلت ففي مناجم الفحم ومصانع الحديد وتكسير الصخور، وإن نأت بنفسها عن ذلك عملت في الشرطة تلاحق المجرمين وتعاقب الجناة، وتظل كذلك من مشقة إلى مشقة. تلك حياتها العملية التي تؤمّن بها معيشتها، أما حياتها الأسرية فقد ذابت فيها حبائل القربى وتقطعت أواصر الرحم، فبحثوا عن وسائل بديلة لعلها تجمعهم بأقرب الناس إليهم، فمن بدعة عيد الميلاد إلى بدعة عيد الأم، ليقدم الابن هدية لأمه التي ربما لم يرها منذ سنة أو عدة أشهر. وليس من دليل أصدق على مشقة تلك الحياة من أن تتمنى المرأة الغربية أن تعيش حياة المرأة المسلمة في أسرة اجتمع شملها في ظل أب يرعى، وأم تحنو، وأخ يرحم، وأخت تشفق، ثم في ظل زوج نبيل يتولى مسؤولية بيته، وينفق على زوجته وإن كانت غنية؛ لأنها تعاليم هذا الدين القويم. ومن شواهد ذلك أن زميلة لنا من هذه البلاد – حفظها الله – سافرت إلى بلد أوروبي مع زوجها لظروف عمله، وبعد أسبوع زارتها جارتها الأجنبية لتتعرف عليها، فكان أول سؤال طرحته عليها: هل أنت ملكة؟ فتعجبت زميلتنا من سؤالها، وقالت: لم هذا السؤال؟ فأجابت: لاحظت منذ وصولك أن زوجك يحضر لك احتياجاتك من طعام وشراب وغيره، وأنت لم تغادري المسكن!! نعم، إن هذه المرأة وصفت المرأة المسلمة بما تستحقه من لقب (ملكة)، وهي لا تعلم أن المرأة معززة مكرمة بفضل دينها الذي هو منة من ربها. فاحمدي الله – أيتها المسلمة – الذي هداك لهذا الدين، ورددي بقلب مؤمن مطمئن: (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)، ولتفخري بأنك ملكة سواء كنت بنتاً، أو أختاً، أو أماً، أو زوجة:- في صغرك عظّم الإسلام أجر الاعتناء بك وتربيتك: (من كانت له ابنتان فأحسن إليهما كنَّ له ستراً من النار). وإذا دخلتِ بيت الزوجية، فحقوقك ذكرها سبحانه قبل واجباتك: (ولهن مثل الذي عليهن). وإذا أصبحتِ أماً، فأنت أحقّ الناس بحسن المعاملة: (وبالوالدين إحساناً). وإن لم يكتب لبيت الزوجة الاستمرار فلن تضيع حقوقك: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين). وإن فقدتِ الزوج فثواب رعايتك كالجهاد في سبيل الله: (الساعي على الأرملة كالمجاهد في سبيل الله). هذا غيض من فيض مما حباك الله به – أختي المسلمة – من فضل جعلك ملكة تتربعين على عرش النساء، وإن لم تلبسي التاج، فهلّا تعين ذلك؟!!