أوصى أصحاب الفضيلة العلماء المشاركون من 15 دولة عربية وإسلامية في فعاليات مؤتمر فقه الموازنات ودوره في الحياة المعاصرة الذي نظمته جامعة أم القرى ممثلة في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكةالمكرمة خلال الفترة من السابع والعشرين حتى التاسع والعشرين من شهر شوال الحالي بالمدينة الجامعية بالعابدية بإنشاء مركز تميز بحثي لفقه الموازنات يكون مقره كلية الشريعة بجامعة أم القرى يعنى بدراسة فقه الموازنات ودوره في قضايا الأمة وإنشاء وحدات خاصة في سائر الكليات الشرعية تُعنى بفقه الموازنات علاوة على إرشاد طلاب الدراسات العليا إلى العناية بفقه الموازنات في أطروحاتهم العلمية وتضمين الخطط الدراسية في الكليات والأقسام الشرعية مقرراً بعنوان: فقه الموازنات، بحيث يدرس فيه الجانب التأصيلي والتطبيقي من أبواب الفقه الإسلامي مع التركيز على القضايا المعاصرة بالإضافة إلى إقامة برامج ومواد متنوعة في فقه الموازنات وذلك من خلال وسائل الإعلام المتاحة. جاء ذلك في البيان الختامي للمؤتمر الذي تلاه اليوم عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية أمين عام المؤتمر الدكتور غازي بن مرشد العتيبي بحضور معالي مدير جامعة أم القرى الدكتور بكري بن معتوق عساس موضحا أن المؤتمرين خلصوا إلى تعريف فقه الموازنات بأنه العلم بالأحكام الشرعية العملية التي لها حق التقديم على غيرها عند حصول التزاحم والتدافع بينها وعدم إمكان الجمع. وهو مسلكٌ اجتهاديٌّ يقوم على ثلاثة أركان تتمثل في الموازِن وهو المجتهد – فرداً أو جماعة- والموازَن بينهما وهما مصلحتان متعارضتان أو مفسدتان متعارضتان أو مصلحة ومفسدة متعارضتان إلى جانب الموازنة، وهي تقوم على مرتكزات أهمها اعتبار المصالح والمفاسد من حيث رتبها ونوعها وقدرها وعمومها ودوامها ودرجة تحققه، وكذا العلم بالواقع ومعرفة الملابسات والعوارض التي تحف بأفعال المكلفين وما ينزل بهم من حوادث وقضايا وكذلك اعتبار المآل بحيث يحصل اليقين أو يغلب على الظن حصول مصلحة راجحة أو مفسدة راجحة أو مساوية للمصلحة من الفعل. وأكدوا أن فقه الموازنات يمثل المنهجية المنضبطة التي يُزال بها الإشكال ويُدفع بها التعارض، وهو المدخل الحقيقي لفهم الأحكام المتعارضة في ضوء مقاصد الشريعة، ومفتاح الرشد في التعامل مع القضايا المعاصرة والحكم عليها كما أن فقه الموازنات فقه أصيل تشهد له أدلة كثيرة من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح والعقل الصحيح، وقد طبق النبي- صلى الله عليه وسلم- الموازنة في وقائع كثيرة، منها: الإسرار والجهر بالدعوة إلى الإسلام، وعدم التعرض للأصنام التي حول الكعبة قبل فتح مكة، والتعامل مع المنافقين، والمعاهدة مع اليهود، وصلح الحديبية، وطبقه الصحابة بعد وفاته مباشرة في: استخلاف أبي بكر- رضي الله عنه- بعده، وفي غسله- صلى الله عليه وسلم- ودفنه، وإنفاذ جيش أسامة- رضي الله عنه-، وقتال المرتدين. وأفادوا أن مصطلح فقه الموازنات مصطلح عريق في التراث الفقهي والأصولي وممن أصّله أبو المعالي الجويني، والعز بن عبد السلام، وابن تيمية، وابن القيم، وأبو إسحاق الشاطبي – رحم الله الجميع -. ومحل بحثه عند علماء الأصول في: مباحث التعارض والترجيح، وترتيب الأدلة، والمصالح المرسلة والاستحسان وسد الذرائع، واعتبار المآلات، ومباحث الضرورة والحاجة والعلة والمناسبة، كما أن الفقه الإسلامي في طبيعة تكوينه وبنائه العلمي والمنهجي مرتبط بفقه الموازنات في كثير من فروعه. وبينوا أن واقع الأمة اليوم وما تمر به من فتن ونوازل ومستجدات يحتم تفعيل ما أصّله هؤلاء العلماء في فقه الموازنات، وسلوكَ المناهج الاجتهادية التي قرروها، ومعالجة المشكلات المعاصرة على ضوئها وذلك لأنها تواجه تحديات لا خيار لها في عدم التعامل معها؛ لأنها جزء من العالم، مما يجعلها في ضرورة ملحة إلى اختيار القرار الأرجح، بجلب المصلحة الأعظم، ودرء المفسدة الأكبر؛ للسير في إصلاح أوضاع الأمة والنهوض بها، كما هو الحال في منظومة العلاقات الدولية والهيئات التشريعية، والجهات الحقوقية، مما يؤكد على علماء الأمة السير وفق منهج السلف الصالح في فقه الموازنات ؛ لأنه منهج محكم يضبط النظر في تلك المتغيرات والتطورات المتسارعة. وأوضحوا أن هذا النوع من الفقه يترتب عليه ثمار يانعة عظيمة من أبرزها المواءمة بين الشريعة الإسلامية والمستجدات في الحياة المعاصرة وفتح آفاق واسعة لاستيعاب قضايا الواقع في كل زمان ومكان وتحقيق الوسطية والاعتدال والوصول للحق والصواب في المسائل التي يختلف فيها النظر ويتجاذبها الاجتهاد ؛ لأنه ناتج عن موازنة شرعية مستمدة من نور الوحي ومشكاة النبوة وكذا البعد عن الإسراف والإجحاف في العقائد والأفكار والتصرفات والمواقف وتوجيه المصلحين من العلماء والقادة والدعاة إلى الله والمربين إلى منهج شرعي منضبط دقيق بعيد عن العشوائية والاختلال علاوة على ضرورة التمسك بمنهج الصحابة الكرام وسائر السلف الصالح في فقه الموازنات ؛ لأنهم أعلم الأمة وأفقهها،ومنهجهم أسلم المناهج وأضبطها، وإذا أردنا أن نفعّل فقه الموازنات في حياتنا قولاً وعملاً فلا يجوز أن نغفل هذه الفترات المضيئة من تاريخنا المجيد بالإضافة إلى فقه الموازنات يتم وفق معايير شرعية منضبطة، وليس ترجيحاً للأهواء والمصالح المتوهمة والعقول المجردة عن هدي الشرع، ومن أهم هذه الضوابط ألا يكون في الموازنة مصادمة لنص صحيح أو إجماع ثابت وأن تعود الموازنة على مقاصد الشريعة بالحفظ والصيانة وأن تكون الموازنة في دائرة الأحكام الاجتهادية التي تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والأعراف، دون الأحكام التعبدية أو الأحكام الثابتة وأن يتولى الموازنة العلماء الراسخون في العلم الشرعي، ولا سيما أن فقه الموازنات نوع دقيق من العلم، يحتاج إلى عالم ذي ملكة راسخة، وأهلية عالي، وباع طويل في العلم بالمسائل والدلائل، ومعرفة الواقع وهذه الضوابط تعتبر سياجا منيعا لفقه الموازنات من سلوك سبيل الغلو والتنطع أو سبيل اتباع التساهل والتفريط. وقالوا: إن كيفية تحقيق فقه الموازنة عملية خاضعة للاجتهاد لذا ينبغي الاهتمام بتقعيدها وضبطها، والحرص على جماعيتها لا فرديتها، خاصة وأن الواقع الذي نعيشه بات من التعقيد والتشابك ما يصعب الإحاطة به من قبل مجتهد واحد، وما قد لا يراه مجتهد يمكن أن يراه غيره، الأمر الذي يقتضي الاهتمام بالاجتهاد الجماعي قدر المستطاع لافتين النظر إلى إن وحدة الأمة في جميع شؤونها مقصد عظيم من مقاصد الشارع الكريم ؛ فبها تجتمع قلوبهم، وتتظافر جهودهم، وتظهر قوتهم، وهي تتأكد في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن والتحديات والمتغيرات ومما يعين على ذلك أعمال فقه الموازنات ولا سيما في قضايا الأمة الكبرى. وأضافوا أن التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية هو التنزيل الجزئي لأحكام الشريعة على الواقع بحسب ما يقتضيه ترتيب المصالح والمفاسد وهو عبارة عن تحصيل للمصالح ودرء للمفاسد بقدر الإمكان، لأنه خطة عملية ناتجة عن موازنة شرعية، والموازنة الشرعية التي تخدم التدرج التطبيقي تنطلق من محاولة تحصيل جزء من المصلحة إذا لم يمكن تحصيلها على الكمال، على ألا يكون ذلك التدرج وسيلة لتعطيل الأحكام، ولا يشمل التدرج أصول التشريع، والأمور المعلومة من الدين بالضرورة، والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية. وبينوا أن فقه الموازنات مرتبط ارتباطاً وثيقاً بكثير من القضايا المعاصرة (المالية، والاقتصادية، والسياسية، والدعوية، والإعلامية، والاجتماعية، والتعليمية، والطبية) ونحوها، وهذا يحتم على الفقهاء مراعاة هذا النوع من الفقه عند النظر في جنس هذه المسائل، كما أن غير المتخصصين في الشريعة يحتاجون إلى الرجوع إلى الفقهاء في معرفة الموازنة بين المصالح والمفاسد فيما يتعلق به حكم شرعي ؛ حتى لا يضيعوا مصلحة كبرى من أجل مصلحة صغرى، ولا يمتنعوا عن الوقوع في مفسدة صغيرة يترتب عليها دفع مفسدة أخرى أكبر منها وأخطر. وأكدوا أنه يجب على الأمة المسلمة أن تقوم بدورها في النهوض بفقه الموازنات، وذلك من أولى المطالب الشرعية، والمهام المرعية التي تحتاجها الأجيال القادمة. وأوصى المشاركون في المؤتمر بإنشاء مركز تميز بحثي لفقه الموازنات يكون مقره كلية الشريعة بجامعة أم القرى يعنى بدراسة فقه الموازنات ودوره في قضايا الأمة وإنشاء وحدات خاصة لسائر الكليات الشرعية تُعنى بفقه الموازنات، تُدعم بالمراجع، والأبحاث، والأكاديميين المتخصصين، والباحثين المتفرغين إلى جانب إنشاء مجلة علمية محكمة خاصة بفقه الموازنات تحتوي على نتاج العلماء والفقهاء المعنيين بفقه الموازنات ؛ لنشر ثقافة هذا النوع من الفقه وآلياته وأدواته بين الفقهاء والباحثين وإقامة مؤتمرات عالمية وندوات وحلقات نقاش ودورات علمية مستمرة في فقه الموازنات وتطبيقاته المعاصرة علاوة على إرشاد طلاب الدراسات العليا إلى العناية بفقه الموازنات في أطروحاتهم العلمية وتضمين الخطط الدراسية في الكليات والأقسام الشرعية مقرراً بعنوان: فقه الموازنات، بحيث يدرس فيه الجانب التأصيلي والتطبيقي من أبواب الفقه الإسلامي مع التركيز على القضايا المعاصرة بالإضافة إلى إقامة برامج ومواد متنوعة في فقه الموازنات وذلك من خلال وسائل الإعلام المتاحة والتعاون بين الكليات الشرعية من ناحية والجهات الدعوية والطبية والشركات والمؤسسات المالية من ناحية أخرى من خلال مذكرات تفاهم لتقديم برامج لأفرادها تتعلق بفقه الموازنات لتعريفهم بهذا الجانب المهم من الفقه الإسلامي. وكان المؤتمرون قد استعرضوا خلال أيام المؤتمر أكثر من اثنين وخمسين بحثاً وورقة عمل في تسع جلسات أعدها علماء متخصصون وباحثون متمرسون من المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والبحرين واليمن ومصر والسودان والعراق والأردن وفلسطين المحتلة وسوريا ولبنان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وباكستان وماليزيا تناولت القضايا بيان حقيقة فقه الموازنات، وبداية نشأته مصطلحاً علمياً له دلالته المحددة، ومعناه المتعارف عليه عند علماء الشريعة وتقرير الأدلة الشرعية والأصول المرعية التي ينبني عليها فقه الموازنات، وتقوم عليها دعائمه، وتنبثق منها تطبيقاته الفقهية وإيضاح منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين ومن سار على نهجهم من العلماء الربانيين في العمل بفقه الموازنات عند تزاحم المصالح والمفاسد، وتمانع الخير والشر، وتقابل الحسنات والسيئات ووضع ضوابط ومعايير لفقه الموازنات، تعين المجتهدين المعاصرين عند التطبيق على تحقيق التوازن والاعتدال، والبعد عن البغي والاعتداء، وكذا دراسة عدد من القضايا في جوانب مختلفة من الحياة المعاصرة، ومناقشة وجهات نظر الفقهاء والباحثين المنشود، ويؤتي ثمره وينعه المحمود.