أدى قرار هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بحجب تطبيقات الهواتف الذكية التي لم تخضع لشروطها إلى إثارة حالة واسعة من الجدل بين مختلف أوساط المجتمع، فبعد أن غزت الهواتف الحديثة الأسواق وأضحت جزءا لا يتجزأ من مكون الأسرة السعودية وشكلت تطبيقاتها المجانية أهم وسائل التواصل بين شريحة الشباب التي تعد كبرى شرائح المجتمع. ولم تعد تطبيقات الجوال مقتصرة على مسألة التواصل بين الأفراد لتصبح في غضون سنوات قليلة من أبرز وسائل الحصول على الأخبار ومتابعة الأحداث الجارية محلياً ودولياً، وبات من الصعوبة بمكان إقناع المستخدم بين عشية وضحاها أن ما يحمله بين يديه يشكل خطراً مباشراً عليه أو على سلامة مجتمعه، في حين يرى هو العكس تماما، فكل ما يعنيه هو تلبية رغباته بدون أدنى تكلفة مادية. واستدعت الأحداث الجارية حاليا من الذاكرة القريبة الجدل الذي دار حول خدمة «البلاك بيري» وأعادته إلى الواجهة مرة أخرى، بعدما أصرت الاتصالات على تركيب خوادم للتقنية في البلاد، وذلك لضمان مراقبة خدمة تبادل الرسائل الفورية «بلاك بيري ماسنجر»، من قبل الجهات المختصة. رؤية الاتصالات ترى هيئة الاتصالات أن بعض تطبيقات الاتصالات عبر بروتوكول الإنترنت بوضعها الحالي، لا تفي بالمتطلبات التنظيمية والأنظمة السارية، مشيرة إلى أنها أبلغت مقدمي الخدمة المرخص لهم بضرورة العمل مع الشركات المطورة لتلك التطبيقات على سرعة استيفاء المتطلبات التنظيمية المطلوبة. وذكرت الاتصالات بعض تطبيقات الهواتف الذكية من خلال الإنترنت مثل«واتساب»، و«سكايب»، و«فايبر»، و«لاين» وغيرها، وجميعها برامج للمحادثات سواء عن طريق الرسائل النصية أو الخدمات الصوتية، موضحة أنها تعمل على نشر خدمات وتطبيقات الاتصالات وتقنية المعلومات لكافة المستخدمين في البلاد وفقا للمهام المنوطة بها في إطار نظام الاتصالات ولائحته التنفيذية والأنظمة الأخرى السارية في المملكة وكذلك المحافظة على القيم والمبادئ وحماية حقوق جميع الأطراف وحماية المجتمع من أي جوانب سلبية تؤدي إلى الإضرار بالمصلحة العامة. وأكدت الهيئة أنها تقوم بشكل مستمر بدراسات للتطبيقات والخدمات التي تقدم للعموم في السعودية، من خلال مقدمي الخدمة المرخص لهم أو تلك المتاحة على شبكة الإنترنت. حماية المجتمع أكدت الاتصالات أنها ستقوم باتخاذ الإجراء المناسب حيال هذه التطبيقات والخدمات في حال عدم الوفاء بمتطلباتها، مشيرة إلى حرصها على توفير أحدث الخدمات التي تطلقها الشركات العالمية بعد أخذ التراخيص الخاصة بذلك، بالإضافة إلى إيلائها جانب خصوصية المستخدمين وضمان حمايتها أهمية قصوى. ويرى بعض المتابعين أن حملة الاتصالات الحالية على تطبيقات الجوال ليست بمعزل عن محاولات زعزعة أمن البلاد، مشيرين إلى خلية التجسس التي اكتشفت مؤخراً ويشتبه أن أعضاءها كانوا يعتمدون على تطبيقات الهاتف الجوال في التواصل، لأن أغلب تلك التطبيقات لا يخضع لأي رقابة من قبل الجهات الاتصالات فضلا عن الجهات الأمنية، ما يشجع هؤلاء على التمادي في التخريب دون خوف من العقاب. حماية الخصوصية يشير بعض المختصين في أنظمة الاتصالات أن بعض التطبيقات المجانية بأجهزة الهواتف الذكية تنتهك خصوصية المستخدم بشكل صارخ، مثل تطبيق «فايبر»، الذي لا يستهدف الربح أو الإعلانات، والمملوك لشركة صهيونية تحتفظ بأحد «خوادمها»، في تل أبيب. وبحسب سياسة الخصوصية المدونة على موقع الشركة، تحت عنوان «جمع واستخدام المعلومات»، والذي عادة ما يوافق عليه المستخدم دون قراءته وبسبب تفاصيله الكثيرة، كتبت الشركة: «يحصل فايبر على سجل صوتي مفصل، من المكالمة لكل اتصال، من كل الهواتف والشبكات ونحصل نحن على تلك المعلومات، لفهم أفضل لأداء الشبكة وتفاصيلها، من حيث عدد المكالمات التي يجريها المستخدمون، وجهات الاتصال المعتادة وأماكنها، وطول مدة المكالمات، ونوع الشبكة المستخدمة». مبررة ذلك بأنه «للتوصل إلى أي مشاكل تقنية تحدث، ولتحسين أداء الخدمة على الهاتف أو لأسباب أمنية عامة. ونحتفظ بسجل تفاصيل المكالمات المسجلة لمدة 30 شهراً، ونتيح لمن يطلب من العملاء، سجلات مكالمات بعينها». ويتساءل الخبراء إذا كان التطبيق مجاني ولا يسعى إلى الربح ولا يستخدم الإعلانات فما العائد من ورائه؟ لا سيما وأن مالكه يهودي وهؤلاء لا يعملون بدون مقابل. ويجيب المهندس محمود توفيق، خبير الأمن الإلكتروني، على السؤال السابق قائلا "إن برنامج «فايبر» مخصص للاتصال المجاني وإرسال الرسائل النصية بين مشتركيه، مقابل الوصول إلى أسماء وأرقام المسجلين على دليل الهاتف والسماح له بنقلهم إلى ملفاته". وأضاف: خطورة البرنامج لا تكمن في إطلاعه على دليل الهاتف ونسخها، بل لقدرته، وهو الوحيد بين البرامج الذي لديه تلك الخصائص على التجسس على موقع المتصل وتحديد مكانه باستخدام GPS، والتحكم في الجهاز وتغيير بياناته، وعمل مكالمات مباشرة دون أي تدخل من المستخدم، وفتح المايك الخاص بالتليفون والتحكم في الصوت، والحصول على الصور والفيديوهات من على الهاتف وقراءة الرسائل القصيرة، وسحب معلومات الجهات التي يتصل بها المستخدم حتى ولو لم يكونوا مسجلين على دليل الهاتف، وقائمة الأسماء ورفعها إلى خوادم « سيرفرات»، محذراً من أن هذا القدر المتاح للبرنامج من المعلومات في غاية الخطورة، خاصة أن صاحب البرنامج صهيوني. مشيراً إلى أنه عندما تطلب الشركة ملفاً من على جهاز أحد مستخدمى التطبيق يُبلغ البرنامج بعنوان (IP)، فينسخ البيانات ويرسلها لسيرفرات الشركة دون علم صاحب الهاتف. وأوضح «توفيق» أن أي مهندس برمجي في العالم، يظهر للتعامل العام في مجاله، ولديه علاقات في داخل هذا المجال، وقاعدة معلومات معروفة، من خلال المؤتمرات التقنية والأمنية، إلا أن موظفي شركة «فايبر» لا أحد يعرف عنهم أي معلومة، كما لو كانوا يعملون في جهة سرية. خسائر الاتصالات وقال مراقبون إن خسائر شركة الاتصالات المتتالية كانت سبباً في السعي لتقنين تطبيقات الهواتف المجانية، لافتين إلى قضية منع التجوال الدولي وربط الشرائح بالهوية والتي عدها البعض محاولة من الاتصالات لتدارك الخسائر التي منيت بها خلال السنوات الماضية. وتعد البرامج المجانية منافساً إضافياً شرساً يوفر الرسائل والمكالمات الصوتية مجاناً، ما يزيد الأمر صعوبة في ظل تحول المستخدمين إلى مشغلات أخرى توفر لهم متطلباتهم بأسعار منافسة. وأوضح عدد من الخبراء أن استراتيجية الاتصالات السعودية الحالية لا تؤهلها للاستمرار في الصدارة، في ظل سعيها الدائم لفرض هيمنتها على السوق المحلي انطلاقا من كونها شركة وطنية دون تقديم البدائل المناسبة للعملاء، التي تجعلهم يتوجهون نحوها ويزهدون في خدمات شركات عريقة تنافس بالسوق المحلي. بوادر انفراج أبدت بعض الشركات المقدمة لتطبيقات الجوال مرونة في تعاطيها مع طلبات هيئة الاتصالات، ما يشير إلى إمكانية تخطي الأزمة قريبا قبل قطع الخدمة عن المستخدمين، ويتوقع كثير من المتابعين أن تتجاوب تلك الشركات مع مطالب الاتصالات أملا في تثبيت أقدامها بالسوق السعودي الواعد. وأشار خبراء الاتصالات إلى الأزمة السابقة التي هددت بإيقاف خدمة "بلاك بيري" بالمملكة، وقيام الشركة الكندية مقدمة الخدمة بالاستجابة لطلبات هيئة الاتصالات قبل وقف الخدمة مباشرة. ويظل المشهد الحالي متأرجحا بين متفائل بانفراج الأزمة متخوف من تفاقمها، وبين هذا وذاك يترقب جمهور عريض من مستخدمي الهواتف الذكية ما يصدر عن الاتصالات من قرارات، وما يصدر عن الشركات من ردود أفعال، بانتظار ما ستسفر عنه الأحداث.