يحكى أنه كان مكان للصيد يتصيد فيه الصيادون، وفي ذلك المكان شجرة عظيمة كثيرة الغصون، ملتفة الورق، وعليها وكر الغراب «حائر». وقف الغراب ذات يوم على الشجرة، فرأى رجلًا من الصيادين، قبيح المنظر، سيء الحال، ويحمل على عنقه شبكة، وفي يده شرك وعصا، وقادم نحو الشجرة، فخاف الغراب وذعر وقال : لقد ساق الصياد إلى ههنا أمر، فما أدري ما هو! هل جاء ليقتلني أم جاء لصيد غيري؟ ولكني سأثبت وأنظر ما يصنع . وصل الصياد وبدأ في نصب شبكته، ونثر فيها حبه وكمن قريبًا؛ فلم يلبث إلا قليلًا حتى مرت به حمامة يقال لها المطوقة – وكانت سيدة الحمام – ومعها حمام كثير . رأت الحب ولم تر الشبكة، فانقضت وانقض الحمام معها، فوقعن في الشبكة جميعا. ضربت كل حمامة منهن بجناحيها على ناحيتها لتتخلص نفسها فقالت الحمامة المطوقة:اجتهدوا ولا تفكر كل حمامة في انقا نفسها وفقط، فلو اتحدت قوانا لتخلصنا جميعًا .. فلنتعاون ونطير مرة واحدة إلى الأعلى . رأي الصياد ما تفعله الحمامات، فظن أنهن لا يستطعن، ولكنه فوجئ بأنهن يرتفعن في السماء حاملين الشبكة وقال الغراب : سأشاهد لأرى ما يفعل الحمام . وقالت المطوقة للحمام: لو أننا بقينا في الجو ربما تبعنا الصياد بنبله، فلنطير نحو المدينة والعمران فيصعب عليه اللحاق بنا.. وقريب من الطريق جحر فأر، وهو صديق لي، فلو وصلنا إليه لقطع عنا هذه الشبكة وخلصنا منها . ففعلت الحمامات فكرة المطوقة، وطاروا نحوا العمرات حتى اختفوا عن الصياد. ولازال الغراب ينظر ما تفعل الحمامات ..ولما وصلت المطوقة إلى مكان الفأر أمرت الحمام بالنزول فوقعن، ووجدت الفأر، فلما رآها في الشبكة قال لها : يا أختي ، ما أوقعك في هذه الورطة وأنت من الأذكياء؟ قالت له : أما تعلم أنه ليس من الخير والشر شيء إلا وهو محتوم على من يصيبه، بأيامه وعلله ومدته وكنه ما يبتلى به من قلته وكثرته ؟ فالمقادير هي التي أوقعتني في هذه الورطة، ودلتني على الحب، وأخفت عني الشبكة، حتى دخلت فيها وصاحباتي.. فأخذ الفأر يقرض العُقد التي كانت فيها المطوقة . فقالت له: ابدأ بقرض عقد سائر الحمام قبلي وانصرف إلي؛ فإني قد كلفت لهن بالرياسة، فحق ذلك علي عظيم. وأنا أدين لهن بسماعهن نصيحتي، وبتعاونهن، وبذلك نجانا الله من الصياد . .